لا تسبوا ولاة الأمر هداكم الله
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وإخوانه وآله ومن ولاه،، وبعد ..
في قول الله تعالى :
" وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"
سورة "البقرة"الآية(251)
قال الإمام الطرطوشي – رحمه الله تعالى- في قوله : " وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ" : " قيل في معناه : لولا أن الله تعالى أقام السلطان في الأرض يدفع القوي عن الضعيف، وينصف المظلوم من ظالمه، لتواثب الناس بعضهم على بعض، فلا ينتظم لهم حال، ولا يستقر لهم قرار، فتفسد الأرض ومن عليها، ثم امتن الله تعالى على عباده بإقامة السلطان لهم بقوله "ولكن الله ذو فضل على العالمين"" تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام "ص(49) بواسطة"معاملة الحكام"ص(54)
قال أبو سعيد الحسن البصري - رحمه الله تعالى : "... والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وإن فرقتهم لكفر( )""آداب الحسن البصري" لابن الجوزي ص(121) و"جامع العلوم والحكم"(2/117)
وعليه .. جاء الأمر تلو الأمر بتوقيرهم والحضّ عل حفظ مرتبتهم وإنزالهم منزلتهم، من ذلك :
عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله- صلى الله تعالى عليه وسلم- يقول : "السلطان ظل الله( ) في الأرض، فمن أكرمه أكرمه الله، ومن أهانه، أهانه الله" حسنه العلامة الألباني في"الصحيحة"(5/376)
وقال سهل بن عبد الله التستري- رحمه الله تعالى : " لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين، أفسدوا دنياهم وأخراهم" "الجامع لأحكام القرآن"للقرطبي (5/260-261) و"حقوق ولاة الأمر"للدكتور العسكر ص(15) و"معاملة الحكام"ص(45)
والواجب الملحّ حالياً، الحريّ بكل حيي إحياءه : ما قاله الإمام بدر الدين بن جماعة- رحمه الله تعالى- في مساق ذكر حقوق ولي الأمر" ...أن يعرف له عظيم حقه، وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله تعالى له من الإعظام .
ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم ويبلون دعوتهم مع زهدهم وورعهم وعدم الطمع فيما لديهم، وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم، ليس من السنة" "تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام" ص(63) بواسطة"معاملة الحكام"ص(48)
لذا نصّوا، صائحين ونصحوا :
" إن السلطان إذا زالت هيبته، سقطت دولته"
وتأكيدا وتوكيداً لما تقدم، جاء التغليظ الشديد والوعيد مع التهديد لمنتقصهم ومتلمس زلاتهم، مذيع عثراتهم :
فعن أنس - رضي الله عنه وأرضاه- قال :" نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله قال : " لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا، فإن الأمر قريب""السنة" لابن أبي عاصم(2/488)
وعن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال : " إياكم ولعن الولاة، فإن لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة( )
قيل : يا أبا الدرداء! كيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب ؟
قال : اصبروا، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت" "السنة"لابن أبي عاصم(2/488) وعنه"معاملة الحكام" ص(178-179) و"نبذة مفيدة عن حقوق ولاة الأمر"ص(30)
وبمثل هذا المنع والتحذير عن أبي مجلز- رحمه الله تعالى- في كتاب"الأموال" لابن زنجويه(1/78) وعن أبي إدريس الخولاني - رحمه الله تعالى- في "المرجع السابق"(1/80)
وفي"التمهيد"عن أبي إسحاق السبيعي، أنه قال : "ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيره" " التمهيد"(21/287) و"معاملة الحكام"ص(181)
بل تعدى هذا الخلق العبق لينسحب على عموم المسلمين : ففي "مختصر الشمائل" : " ... كان ( صلى الله تعلى عليه وإخوانه وآله وسلم ) لا يذم أحدا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ..." "مختصر الشمائل" للعلامة الألباني ص(25)
وقال يحيى – رحمه الله تعالى : " ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلا في
وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه، فإن قبل ذلك وإلا تركته" "سير أعلام النبلاء" (11/83)
وما تقدم من بيان نهديه لكل طلاّع رصّاد، عن هذا الحق صاد .
إن الجهل بهذه الضوابط أوقع الجماهير في مشاكل شواكل، كانوا في عافية منها، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، ونسأله تعالى دوما استدامة العافية .
أقول هذا : في الوقت الذي يؤذينا أشد الإيذاء، سماع دعوات مسعوارت، متسولات نابحات، تنهش في أعراض ولاة أمرنا وتنهس، بل نهدت رافعة عقيرتها بضرورة محاسبة العامة للولاة- تجرأًً على جنابهم، ورتعاً في حماهم .
استجازوا الولوغ في أعراض الولاة - جهارا نهارا، واللهث –استثمارا لحوادث- في إشاعة الدغل، وغشيان الإحن- بين الراعي والرعية- غشاً وخياناً ( ) وهذا نذير شر، ودليل ذلّ .
بل ورتعوا– وهم الصعاليك- سبّا - كيف وقد تخطي الخاطئ إلى زوج وولد؟!!!
إنها خارجية حارقة حالقة – للديانة قبل البناية- ماحقة، مع بعدها عن تعاليم الشريعة وعلوم الديانة، تلكم التعاليم السامية القاضية بحفظ هيبة ولاة الأمور والسعي إلى إعزازهم، وجمع القلوب عليهم، وطاعتهم – في المعروف ووفق القدرة- واستحلاب محبتهم، وخلوص النصح – الشفهي الشهي، السّريّ السني - لهم، وتكرير الدعاء لهم، لمكانتهم؛ إذ حاجة الأمة – الدينية والدنيوية- التي لا تستقيم إلا بهم . .
قال العلامة السعدي- رحمه الله تعالى- في شرح حديث "الدين النصيحة..." :
"... وأما النصيحة لأئمة المسلمين، وهم ولاتهم من السلطان الأعظم إلى الأمير، إلى القاضي إلى جميع من لهم ولاية كبيرة أو صغيرة، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم، وذلك باعتقاد إمامتهم والاعتراف بولايتهم، ووجوب طاعتهم بالمعروف، وعدم الخروج عليهم، وحث الرعية على طاعتهم ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم، كل بحسب حاله، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم، واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإن في ذلك شرا وضررا وفسادا كبيرا فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك، وعلى من رأى منهم- ولاة الأمور- ما لا يحل أن ينبههم سرا لا علنا بلطف وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود، فإن هذا هو المطلوب في حق كل أحد وبالأخص ولاة الأمور، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص.
واحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم : إني نصحتهم وقلت: فإن هذا عنوان الرياء، وعلامة ضعف الإخلاص، وفيه أضرار أخر معروفة" "الرياض الناضرة" ص(49،50)
قال شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى : "وأما أهل العلم والدين والفضل، فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديماً وحديثاً ومن سيرة غيرهم" "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(35/12) والسّبّ وجه من تلك الوجوه بل وأصل لها جميعها
أعود فأقول : إن ما نسمعه – منكرين- ونشاهدة –كارهين- من قيام فرادى وعصابات بسبّ الولاية وتنقصهم علانية وخروج تظاهرات نائحة على مصابها، باكية على حالها، مستجلبة عطف الدهماء، ومهيجة مشاعر الغوغاء، لهي المصيبة، مع كونها غير مصيبة .
هي دعوة خطيرة على الخاصة قبل العامة، ذات آثار جسيمة على مؤججيها قبل قاصديها . فيا ليت قومي يعلمون .
وقد نبّه لذلك العلامة الشوكاني - رحمه الله تعالى- فقال : " ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث، أنه يأخذ بيده، ويخلو به، ويبذل النصيحة، ولا يذل سلطان الله" "السير الجرار"(4/556) و"العلاقة بين الحاكم والمحكوم في منظور السلف الصالح-رضي الله عنهم"للدكتور الحوشاني ص(8-9)
أوليس فيما حدث – بالأمس- لقطر العراق الجريح – وغيره- عبرة لمعتبر، والسعيد من وعظ بغيره، " وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ" سورة "العنكبوت" الآية(43) فما ل هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .
أفلا يحمدون الله تعالى على النعم التي نرفل فيها، وأعظمها الإيمان والأمن، وازدهار عيش ما كنا ننعم به صغارا .
يريدون كمالا، ما يكون ولا كان .
يريدون قياما وهم نياما ؟! أحلام ذات إيلام .
إن من لم يُفرق بين حالتي القوة والضعف، والاختيار والاضطرار، فليس محل خطاب .
وعليه .. فالواجب المؤازرة والمناصحة لا المناطحة والمحاربة .
قوموا رحمكم الله تعالى – بعد حفظ ألسنتكم وكفّ أيديكم- بدوركم في الإصلاح بعد الاستصلاح، متبعين محتسبين
بذا - دونما سواه- تنزل البركات، وتغمرنا – حكاما ومحكومين- الرحمات .
أجل .. لن يكون خير قط إلا بذا؛ لورود الأخبار، وعمل الأخيار، في مختلف الأزمان وكرّ الأعصار، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها .
ومن رام إصلاحاً في غير ذي السبيل، فهو من زمرة المفسدين وجماعة المعتدين . ولله در القائل
الدين بالسلطان يقوى، والسلطان بالدين يبقى، وصلاح الحاكم والمحكوم بتحقيق التقوى .
وعلى ما تقدم : " فلا يتصور بعد الوقوف على النهي الصريح عن سبّ الأمراء، أن مسلماً وقر الإيمان في قلبه، وعظم شعائر الله تعالى يقدم على هذا الجرم؟ أو يسكت عن هذا المنكر؟ لا نظن بمسلم هذا، ولا نتصور وقوعه منه؛ لأن نصوص الشرع وما كان عليه صحابة رسول الله -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- أعظم في قلبه من العواطف والانفعالات التي هي في الحقيقة إيحاءات شيطانية ونفثات بدعية، لم يسلم لها إلا أهل الأهواء الذين لا قدر للنصوص في صدورهم""معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة" للشيخ الدكتور عبد السلام برجس ص(177)
بقي القول : أن هذا الجهد المجاهد – الذي بين أيديكم- راميا إلى فتح مغاليق قلوب، ليلج إلى سويدائها؛ ليفيض خيره في ربوعها، ويغمر نوره أرجائها، ويغشى حقه أركانها، انتفاعا واستصلاحا، وهو امتداد لجهود سابقة سامقة ناصحة تُسهم في الخير، وتحضّ على البّر، وتنذر من كل غرّ .
شكر الله تعالى لراقمه ورامقه وقارئه، والله تعالى المسؤول لمصرنا وكل أمصار المسلمين السلامة في إسلامها، والصيانة في دينها وأهلها وديارها .
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى إخوانه وآله وصحبه أجمعين .
والحمد لله رب العالمين
كتبه
الفقير إلى رحمه مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في : 1/1/1428هـ - 10/1/2008م
والنقل
لطفا من هنا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الموضوعالأصلي : لا تسبوا ولاة الأمر هداكم الله // المصدر :