إن من قذائف الغزو الفكري الغربي المادي التي توجه إلى الأمة المسلمة في هذه الأيام ما يسمى ( بالتنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية ) وهى مجال فضفاض يدخل تحته العديد من النظريات والأفكار و العلوم و العقائد و الفلسفات و المنطقيات والمعتقدات القديمة والأساطير وتتداخل فيه مجالات بحثية كثيرة بداية من علم النفس والاجتماع والطب وصولا إلى التنجيم والسحر والوثنية والشعوذة ووحدة الوجود!!
$ التنمية البشرية علميا
من المعلوم أن أي فكرة يفترضها الباحث لابد أن تقوم على أساس علمي حتى ترقى لأن تكون نظرية، ثم لإثبات أن هذة النظرية صحيحة وحقيقية وليست وهما أو خيالاً يتم وضعها تحت الاختبار وتتوقف صحة النظرية على نسبة النتائج المطابقة لها .
أما في علم التنمية البشرية فالأفكار والفرضيات تطبق ويدرب عليها الناس على أنها حقائق رغم أنها لا ترقى لمستوى النظرية لأنه لم يتم إجراء التجارب عليها لاثبات فاعليتها .
فليس لها مصداقية إحصائية تجعلها مقبولة علميًا ، والمنهج العلمي يؤكد وجود الأخطاء الإحصائية عند مقارنة النتائج بنظرياتهم ،ولذلك لم تعترف بها أي جهة علمية !! وهذا المحك مهم جداًً فالمسألة غير معترف بها وغير مؤصلة ونأخذ بها !!
إنما يستنتجون هذة النظريات اعتمادًا على المنطق البسيط والإحساس العام ، والقواعد التي بنيت عليها الـبرمجة اللغوية العصبية فيها العديد من الافتراضات الخاطئة مثل قناعاتهم عن "اللاوعي والتنويم" و"التأثير على الناس بمخاطبة عقولهم شبه الواعية" فهي لا أساس لها ، لأن كل الأدلة العلمية الموجودة عن هذه الأشياء تظهر أن ادعاءاتهم غير صحيحة .
وبرغم تراجع الجيش الأمريكي عنها بعد تجربتها، وعدم إيمان كثير من الشركات بها، وعدم الاعتراف بها كعلم في الجامعات ولا كعلاج في المستشفيات ، يقبل عليها جماهير المفتونين من المسلمين!! فأكثر المتخصصين في علم النفس والطب النفسي وعلماء الشرع لم يدخلوا فيها ولم ينساقوا إليها برغم كثرة ما قيل عن منافعها ، فانسياق النخبة أمر مهم جداً ، ونلاحظ أن معظم من انساق وراء البرمجة هم العوام .
$ التنمية البشرية والإيمان بالقدر والتوكل
إن الفكر المادي الفلسفي المهيمن على التنمية البشرية تكمن خطورته في أنه يدور حول تضخيم قدرات العقل وإعطاء الإنسان قدرة حتمية على التغيير والنجاح بعيداً عن قدر الله سبحانه وتعالى ، فهي تتجاهل ركن الإيمان بالقدر كلياً مما يسوق المسلم مع الوقت إلى التعلق بالأسباب المادية وتعطيل التوكل على الله ، وهذا باب خطير من أبواب الشرك ينبغي الحذر منه .
فمثلا عقد الدكتور ميرفي فصلاً في كتابه عن كيفية استخدام قوة العقل الباطن في تحقيق الثروة ، ومن ذلك قوله : (عندما تذهب للنوم ليلاً : كرر كلمة (غني) بهدوء وسهولة وإحساس بها وسوف تدهشك النتائج ، حيث ستجد الثروة تتدفق إليك. وهذا مثال آخر يدل على القوة العجيبة لعقلك الباطن ) [ ص117] .وذكر في مقدمة كتابه قوة عقلك الباطن : ( تستطيع هذه القوة المعجزة الفاعلة للعقل الباطن أن تشفيك من المرض وتعطيك الحيوية والقوة من جديد ) .
فواضعو هذا العلم لا يؤمنون بالله أصلا ولا يجعلونه في حساباتهم ولا يعتبرون تأثيره في الكون والأحداث إنما يرجعون كل شيء لقدراتهم ،فأصبح ما يسمى بالعقل الباطن عند أولئك الماديين أصحاب الفلسفة المادية ، صنماً يعبد من دون الله ، فهو الرزاق ، وهو الشافي ، نسأل الله السلامة والعافية وأن يحيينا على التوحيد ويميتنا عليه " .
$ آثار ونتائج التنمية البشرية
عادة لا تتعدى الإعجاب الذهني ولا أثر لها ملموس في الواقع العملي فالكلام جذاب ومشوق وموافق لطموحات الجميع مما يجعله يلاقي قبولا عاما خاصة عند من ليس عندهم ثقافة دينية تغنيهم عن هذة الترهات و يريدون الإصلاح السريع دون تعب وهذا غير ممكن.
ومع التضخيم الإعلامي والدعائي والمبالغة في النتائج التي يمكن تحقيقها فتجد عناويين مثل "غير شخصيتك في اسبوع" ، نتساءل ما هي النتائج العملية في الحياة لتطبيق البرمجة اللغوية العصبية ؟ هل عالجت المشكلات في حياتنا ؟ هل نجح المتدربون في حياتهم وفي أعمالهم ، أم نجاحهم كان في تقديم مزيد من دورات البرمجة وحصد المبالغ الطائلة؟
فمؤسس التنمية البشرية "ريتشارد باندر" تمت محاكمته في قضية قتل عاهرة كانت تمده بالكوكايين هو وصديق له وبالرغم من أن التهمة لم تثبت عليه لتضارب أقوال الشهود إلا أنه لم ينكر علاقته بالعاهرة وتعاطيه الكوكايين " د: راغب السرجاني
أعلن رئيس الاتحاد العالمي "وايت ود سمول" إسلامه في 15/7/2007 وترك هذا المجال بعد30 عام من التخصص فيه وقال:" إن كل ما هو جيد في التنمية البشرية فقد وجد أفضل منه في الإسلام وما تعارض بينهما فالصواب ما جاء به الإسلام" د: راغب السرجاني
انظر إلى كلمة برمجة وكأن الإنسان جهاز كمبيوتر فهم لا يراعون الفروق الشخصية والمواهب ، كذلك لا يراعون المشاعر والأحاسيس فعندهم مثلا برامج لزرعة الحب لشخص معين و زراعة الكره لآخر وكأن الإنسان آلة .
ويوجد عندهم الكثير من التفاهات التي لا يقبلها عاقل مثل ما يسمى بـ "الرابط" ففي أي موقف مفرح يقوم أحدهم بعمل رابط مثلا بضربة على كتفه الأيمن ،ولاستجلاب مشاعر الفرح هذة مرة أخرى للخروج من أي موقف محزن لاحقا يقوم بعمل نفس الكيفيه السابقة!!
إضافة إلى استخدام القصص المبالغ فيها لتحقيق الاثارة والتشويق؟؟ والتضخيم الإعلامي لأصحابها
$أمثلة لبعض معتقداتهم الباطلة
1. ذكر في كتاب"عشر معتقدات تعوقك في حياتك وتعطلك" :المعتقد الخامس"الايمان بأنالالههو كيان خارج عن حكمك " :أنت تتحكم في الهك، وليس العكس! انني عندما أقول إله فأنا أعني بذلك قوة روحية في داخلك، لا أحد في هذا الكونيتحكم فيك! أنت تتحكم في القوة التي بداخلك، أنت لست في حاجة الا أي أحد أو أي شيء يسمح لك أن تعيش حياتك"!! ففي تعريفهم لهذة البرمجة أنها منهج يقوم على هدم معتقدات القديمة وكل ما يؤثر على الشخصية ومنها هدم المعتقدات الدينية لأنها تحد الإدراك عندهم ثم بناء معتقدات جديدة إيجابية.
2. في كتبهم ما أسموه بـ"قانون الجذب" سموه بالقانون وكأنه حقيقة ثابتة ، هذا "القانون" الشركي خلاصته أن الانسان إذا ما ركز تركيزا شديدافي شيء يطمع فيه ووضع كل طاقته في ذلك، فان أحداث الكون كلها تتحرك من أجل أن توصله إليه!! أي أن عقل الانسان يصبح ربا للكون يتحكم في مجرياته ويسير الأقدار على هواه،"ليجذب" اليه ما يريد!
3. ويقول أحدهم "لو كنت تصدق أنك تستطيع وضع يدك على لهب شمعة دون أن تحرقك لمدة دقائق فلن تحرقك؛ لأنك متيقن من هذا الشيء ولو كان في نظر الكل مستحيلا فقط لأن العقل يؤمن به " فكلامهم يوافق المقولة الشركية "من يعتقد في حجر ينفعه"
$خير الهدي هدي محمد
لا ننكر أنه يوجد بعض الحق في ما يسمى بالتنمية البشرية ، لكن لا حاجة لنا إلي كلامهم فعندنا ما هو أفضل وأعظم وأجل وأشمل من شرع يصلح كل صغيرة وكبيرة في حياة الانسان، فخير ما نحتاج الى تعلمه واتقانه واتخاذه فنا حتى ننجح في "حياتنا الشخصية" هو هدي سيد المرسلين.
فقد أغنانا الله عن تخرصاتهم وتخبطات فلاسفتهم، بل وأمرنا أن نخرج عليهم لننقذهم من غثاء ما أغرقتهم فيه ظنونهم وأوهامهم وجاهليتهم، التي ارتموا في أحضانها يوم أن فقدوا الإحساس بالدين وروحانيته ، فما بالنا اليوم نعيد غزوهم لنا الذي كان تحت شعار (التنوير) في القرن الماضي، ولكن بلباس جديد هو (التنمية البشرية)؟؟
و الخطأ العظيم الذي تؤدي إليه التنمية البشرية التفريط في الأصل وهو الإسلام بما فيه هدي النبوة والسيرة وأعمال القلوب وفقه المعاملات وعقائد الاسلام في الغيب وجعل التنمية البشرية بديلا كنمط حياة يضبط كل شيء، والظن أن فيه الغنية عن غيره .
فعندنا مثلا سؤال من جنس: (كيف تصبح مديرا ناجحا) للجواب عليه شقان، الشق الاعتقادي بتحقيق التوحيد والإخلاص لله والرجاء والخوف منه واحتساب النوايا الصالحة التي تقرب الى الله والنظر للعاقبة العاجلة والآجلة للعمل ، والشق العملي بالتمكن من الصنعة واتقانها آخذا بالأسباب المباحة لذلك ، فينقضي الأمر ويتحقق النجاح والفلاح المبين في الدارين.
وأسئلة مثل "كيف تصبح أكثر سعادة ؟كيف تصبح أكثر ثقة في نفسك وفي قدراتك؟ كيف تحقق الرضا التام عن عملك وشخصيتك؟ هذه هي الأسئلة التي يقدمون -فيما يزعمون- الجواب عليها لو وزناها بميزان الحق والدين، لوجدنا أن جوابها – أو ما صح منها – لا يكون الا في الدين.
وللأسف إن من المسلمين من اذا سمع قال الله وقال رسول الله، مر على الكلام مر الكرام! واذا ما قلت له قال الدكتور روبنسون من جامعة ويست فيرجينيا ، أنصت وانتبه وانشرح قلبه ونزل الكلام عليه وكأنه وحي السماء قال تعالى ((وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)) الزمر : 45
وأكثر ما ذُكر من فوائد في البرمجة له أسس موجودة في الأدلة الشرعية كقانون التكرار ، و التدرج ، والمشاركة الإيجابية ، والأساليب القرآنية والنبوية أعظم من هذا ، راجع مثلا أساليب الدعوة إلى النفقة وطرقها المتعددة وأثرها في استجابة الصحابة وغيرهم.
أسلمة التنمية البشرية!!
من الخطأ الذي وقع فيه الكثير ما يسمى بأسلمة التنمية البشرية فالمفتونين بهذه الأمور يقولون أنه من الممكن تنقيتها وتصفيتها واستخراج نفع منها ، ونقول لهم أبدا والله فمهما حاولتم تنقيتها من وثنيتها فهي قوامها أصلا وهي عصبها النابض، والدعوة فيها الى الاعتقاد في النفس وفي قدرة داخلية والتوكل عليها من دون الله، فان لم يكن فيها غير هذا لكفى به خرقا للتوحيد ، فالمشكلة مشكلة منبع وأصل فكري شديد الفساد، ليس علاجه أن ندخل (باذن الله) و(ان شاء الله) هنا وهناك، أو نزينه ونرقعه بحديث أو آية من آن لآخر .
فالتغيير عندهم قائم على الاعتماد الكامل على النفس ومن أجل حظ النفس واتباع الهوى ، فالهدف تمكينك من تحقيق كل ما تريد بغض النظر عن صحة هذا العمل أو خطئه ، وحتى الأفعال التي ظاهرها الصلاح تبني على التكلف والتصنع بخلاف الأخلاق والأعمال بدافع ديني وعقدي فمبعثها العقيدة والإيمان مع تحقيق الاخلاص لله تعالى ومراقبة النفس فيه .
فينبغي عدم الخلط بدخول أي نوع من الثقافات على الإسلام ، فلو كان هذا من العوم الدنيوية كالطب والفلك لقبلناه لكن معالجة النفس الإنسانية وعلاقاتها ومعاملاتها هذة وظيفة الدين وقد أنكر النبي على عمر ابن الخطاب أشد الإنكار لما وجد معه صحيفة من التوراة يقرأها .
فلو لم يكن في منع هذه الأمور الا العمل بقاعدة سد الذرائع لكفى! ولكن الأمر ليس مجرد شبهة أو ذريعة بل أكبر من ذلك ! فوازنوا عباد الله بين المنافع والمفاسد! هذه المنافع المزعومة ما حقيقتها، وهل تستحق -إن تحققت بالفعل- أن نعرض عقيدة التوحيد في قلوب المسلمين للخطر من أجلها؟ وهل نزعم أنه ليس في تراث سلفنا الصالح فضلا عن هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ما يغنينا عنها لرفع الهمة وتنمية القدرة على تنظيم الوقت وترتيب الأولويات وغير ذلك من سبل الاصلاح ؟؟
وكثير من علماؤنا قال بخطورة هذه العلوم و انها مخالفة لكثير من عقيدتنا فحذر منها و دعا الى مواجهتها و وقف انتشارها منهم الشيخ عبد الرازق الرضواني ، والشيخ الفوزان وغيرهما
الموضوعالأصلي : حكم التنمية البشرية وحكم البرمجة اللغوية العصبية // المصدر :