ثالثًا: الدخول إلى المسجد
1- إذا وصلت أخي المسلم إلى المسجد فقدم رجلك اليمنى( )، واحرص على دعاء دخول المسجد فقل:
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك.
ثبت ذلك في عدة أحاديث عن النبي ( ).
وكان رسول الله يقول إذا دخل المسجد أيضًا: «أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم» رواه أبو داود ( ).
2- ثم تقدم إلى الصفوف الأولى، واحرص على الصف الأول منها، على يمين الإمام( )؛ لما في ذلك من الأجر العظيم عند الله عز وجل، وقد أرشدنا رسول الله إلى ذلك بقوله: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا عليه» رواه البخاري ومسلم( ).
والعجب من بعض الناس الذين يفرطون في هذا الأجر العظيم، فتراهم يأتون إلى المسجد مبكرين ويجلسون في وسط المسجد أو في آخره، ويتركون الصفوف الأولى، وقد قال رسول الله : «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» رواه مسلم( ).
وعن أبي سعيد الخدري قال: رأى رسول الله قومًا في مؤخر المسجد فقال لهم: «تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله» رواه مسلم( ).
ويخشى على هؤلاء أن ينطبق عليهم قوله : «لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار» رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها( ).
وأكثر تفريطًا من هؤلاء الذين يجلسون للصلاة في الساحات الخارجية للمسجد الحرام والمسجد النبوي مع وجود الأماكن الفسيحة الخالية في داخلهما، فيفوتون على أنفسهم أجرًا عظيمًا، بل في صحة اقتدائهم بالإمام نظر عند بعض أهل العلم، ويتسببون في التضييق على الداخلين إلى المسجد وإيهامهم بأن المسجد ممتلئ.
3- فإذا دخلت المسجد فلا تجلس حتى تصلي ركعتين هما تحية المسجد؛ لقول رسول الله: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» رواه البخاري ومسلم( ).
4- إذا صليت تحية المسجد فاشتغل بذكر الله عز وجل وقراءة القرآن، أو تعلم العلم النافع وتعليمه، لما في ذلك من الأجر العظيم، فقد روى الإمام مسلم عن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله ونحن في الصفة( )، فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو العقيق( ) فيأتي منه بناقتين كوماوين( )، في غير إثم ولا قطع رحم؟». فقلنا: يا رسول الله، نحب ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل»( ).
وعن أبي أمامة الباهلي ، عن النبي قال: «من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا، أو يعلمه كان له كأجر حاج تامًا حجته».
قال المنذري: (رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به)( ).
5- اجتنب الكلام مع الناس فيما لا فائدة فيه( )، واعلم أنك في حال جلوسك في المسجد تنتظر الصلاة فأنت في صلاة، أي: لك من الأجر والثواب كما لو أنك قائم تصلي، وأن الملائكة تدعوا لك وتستغفر لك، يقول رسول الله : «الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة» رواه البخاري( ).
وزاد في رواية أخرى: «ما لم يؤذ»( ).
فلو استشعر الإنسان هذه المعاني لامتلأ قلبه بالإيمان، وانطلق لسانه بحمد الله وشكره على إحسانه وفضله، ولخضعت جوارحه حياء من الله عز وجل أن يصدر منها ما لا يرضاه.
6- فإذا أقيمت الصلاة فليحرص الجميع على تسوية الصفوف، وسد الفرج، وإكمال الصف الأول فالأول، قال رسول الله : «سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة» رواه البخاري ومسلم( ).
وروى البخاري عن أنس بن مالك قال: «كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه»( ).
وروى مسلم عن جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله فقال: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟». فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف»( ).
وقد حذر النبي من الإخلال بتسوية الصفوف تحذيرًا شديدًا، فقال عليه الصلاة والسلام: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» رواه البخاري ومسلم( ).
وهذا وعيد شديد، لذلك فإن تسوية الصفوف واجب، والتفريط فيه حرام( ).
فمن علم ذلك، عليه أن يكون قدوةً لإخوانه المسلمين، وعونًا لهم في تسوية الصفوف وإكمال الأول فالأول منها، وسد الفرج فيها، حتى لا تدع فرجة للشيطان يدخل منها بين الصفوف، وافتح أخي المسلم سمعك وبصرك وقلبك لهذه الكلمات الجامعة النافعة، الصادرة ممن وصفه الله عز وجل بأنه بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، وكل كلامه كذلك بأبي هو وأمي حيث قال: «أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله» رواه أبو دواد ( ).
7- ولا يحملنك أخي المسلم ما تعلم من فضل الصلاة في الصف الأول على أن تتعدى على حق غيرك فيه، فربما تأتي متأخرًا «فتقفز» إلى الصف الأول غير مراع حق إخوانك الذين يجلسون في الصف الثاني، وهم يحرصون على الصلاة في الصف الأول مثل حرصك أو أشد، ولا يمنعهم من التقدم إليه إلا خوف التضييق على إخوانهم، ولا شك أن فعلك ذلك يؤذيهم ويوغر صدورهم، وقد يكتب عليك من الإثم أكثر مما تحصل عليه من الأجر.
وقس على نفسك لو فعل معك ذلك، وقد قال رسول الله : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري( ).
ومن الناس من يأتي إلى الصف وهو مكتمل وليس فيه فرجة، فيدخل فيه عنوة، فيؤذي من على يمينه ويساره من المصلين، ويجعلهم في ضيق وعنت، ويشغلهم عن الخشوع في الصلاة.
فعلى المسلم الحريص على الخير أن يتجنب هذه الأفعال التي تعود عليه وعلى غيره بالضرر.
8- احرص أخي المسلم أن تكون صلاتك موافقة لما كان عليه رسول الله ، امتثالاً لقوله : «صلوا كما رأيتموني أصلي»( ).
وقد يسر الله عز وجل لك ذلك حيث وفق بعض أهل العلم لتصنيف كتب مستقلة في كيفية صلاة النبي ، تعتمد على الدليل الصحيح، بأسلوب سهل، منها: «كيفية صلاة النبي » للإمام العلامة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، و «صفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم كأنك تراها» للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وقد اختصرها في رسالة صغيرة بعنوان «مختصر صفة صلاة النبي »، وللعلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله رسالة صغيرة في ذلك، وغيرهم.
9- لا يستفزنك الشيطان بعد انقضاء الصلاة للخروج مباشرة من المسجد كما هو حال بعض الناس، فكم يفوت هؤلاء من الأجور العظيمة والحسنات الجزيلة بسبب استعجالهم؟! حيث يفرطون في الذكر الوارد بعد الصلاة.
وتأمل أخي المسلم في هذا التوجيه الحكيم من رسول الله والحرص الشديد على الخير من صحابته الكرام ؛ لتدرك الفرق الشاسع والبون الواسع بين حرصهم وتفريطنا، ورغبتهم في الخير وزهدنا فيه، فقد روى الإمام مسلم من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة : أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم. فقال: «وما ذاك؟» قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله : «أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟». قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة». قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. فقال رسول الله : «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء»( ).
وروى الإمام مسلم أيضًا عن أبي هريرة ، عن رسول الله أنه قال: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»( ).
فانظر إلى هذا الفضل العظيم من الله عز وجل، فله الحمد والشكر على إحسانه.
وإذا علمت أن الذكر الوارد بعد الصلاة لا يأخذ من وقتك أكثر من ثلاث دقائق، تبين لك عظم خسارة من فرط فيه، فاحرص رعاك الله على هذه الأذكار – وغيرها – الثابتة عن النبي تسعد في الدنيا والآخرة.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياك لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا جميعًا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الموضوعالأصلي : المشي إلى المساجد آداب وآثار // المصدر :