الفصل الثاني
الفصل الثاني : منظمة الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين بين الإنجاز والإخفاق يحتفل العالم بمرور نصف قرن على دخول ميثاق الأمم المتحدة حيز التنفيذ، وهي مناسبة مهمة كونها تتيح الفرصة لمتأمل مسيرة هذه المنظمة إلى ما آلت إليه في حاضرها وآفاق تطورها في المستقبل ،وذلك من خلال تقييم الدور الذي قامت به المنظمة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين ،باعتباره الهدف الأسمى الذي أنشأت من اجله كما سلف الذكر ،ومن هذا المنطلق فإنه يستوجب دراسة دور منظمة الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين إذا ما كان قد آل إلى كفة الإنجاز أم إلى كفة الإخفاق ، وعليه سوف ندرس تقييم دور منظمة الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين (مبحث أول) كما سوف نتطرق إلى نماذج عن دور منظمة الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين (مبحث ثاني) .
المبحث الأول - تقييم دور منظمة الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين:
حظيت ظاهرة الصراع الدولي بأهمية كبيرة داخل حقل العلاقات الدولية من حيث شمولية الأبعاد وتداخل الدوافع وكذا تأثيرها إلى جانب تعدد المستويات التي تحدث عندها ،فالصراع والتنافس من أجل المزيد من القوة يمثل جوهر العلاقات بين الدول ،إلا أن الآليات التي يدار من خلالها هذا الصراع متغيرة بتغير الزمان والمكان .
فصياغة قواعد وقوانين حركة وتحول آليات الصراع الدولي وتصنيفها قبل وبعد الحرب الباردة يعد أمرا صعبا إذ لا جدال أن هذه التحولات تثير تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت منظمة الأمم المتحدة بوضعها الحالي وهياكلها وآلياتها التي نمت وترعرعت في أحضان الحرب الباردة ،قادرة على القيام بالمهام والأعباء والوظائف التي تفرضها مقتضيات الانتقال من مرحلة إلى أخرى ،وعلى هذا الأساس تم دراسة هذا المبحث ضمن مطلبين حيث يتضمن الأول دراسة دور منظمة الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين أثناء فترة الحرب الباردة أما المطلب الثاني فيدرس دور منظمة الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين بعد فترة الحرب الباردة .
المطلب الأول
( دور منظمة الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين أثناء فترة الحرب الباردة )
يرى بعض الفقهاء ان قياس نجاح منظمة الأمم المتحدة في جهودها لتحقيق أهدافها التي أوجدت من أجلها يتم في ضوء أمرين اثنين أولهما استجابة الدول الأعضاء وخاصة الأطراف في النزاع لقرارات المنظمات الدولية ووضع هذه القرارات موضع التنفيذ،أما الأمر الثاني فيتمثل في فاعلية هذه القرارات ليس فقط فيما توخته من أغراض خاصة، وإنما في تحقيق ما قامت عليه المنظمة من أغراض ومقاصد لاسيما ما تعلق منها بصيانة السلم والأمن الدوليين، وكذا إقامة علاقات ودية بين الدول ،وبالنسبة للجمعية العامة فإن معيار الاستجابة لقراراتها هو قيام الدول الأعضاء المعنيين أو مجموعة أعضاء الجمعية العامة أو كليهما بتنفيذ ما تطلبه الجمعية وتوصي به .
أما فاعلية القرارات فهو عدم الاقتصار على إنجاز أغراض معينة ،بل توسيع هذا الإنجاز بإحداث تأثير في سياسات رجال السياسة المعنيين في إنهاء الخلاف القائم ،وللفترة من عام 1946إلى عام 1962، حيث أصدرت الجمعية العامة تسعة وعشرين قرارا بشان العديد من المسائل الهامة التي عرضت عليها، ولقد نجحت الجمعية العامة على حل أنواع كثيرة من المنازعات الدولية ولو من غير طريق الإلزام، حيث كانت الجمعية تحاول التوصل إلى تسوية للنزعات عن طريق التوفيق دون ممارسة أي ضغط على أي من أطرافها [url=#_ftn1][1][/url]،كما كان التحقيق يساهم في تخفيف التوترات وتجنب قيام نزاع دولي ،وقد اعترف بهذه الوسيلة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم بـ 18 والمؤرخ في ديسمبر 1963 وموضوعه مسألة طرق استقصاء الوقائع، حيث أعربت الجمعية العامة في هذا القرار عن اعتقادها في إمكانية فض المنازعات بطريقة سلمية دون قيامها بتقرير إجراء حيادي لاستقصاء الوقائع في إطار المنظمات الدولية وفي الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف .
كما وقد كانت الجمعية العامة تحث الدول التي تدخل في منازعات على حلها عن طريق المفاوضات ،حيث تعتبر المفاوضات من أكثر الوسائل التي أوصت بها الجمعية العامة ويعد قرار الجمعية المرقم بـ 40⁄ 9 و المؤرخ في نوفمبر1985 من القرارات المهمة التي ناشدت من خلالها الجمعية العامة الدول المتنازعة على حل خلافاتها عن طريق المفاوضات والوسائل السلمية الأخرى .[url=#_ftn2][2][/url]
وقد ساهمت الجمعية العامة في تخفيف حدة التوتر خاصة عندما كانت الأمور تتأزم في مجلس الأمن الدولي بين الدول الكبرى بسبب لجوء أحدها إلى استخدام حق النقض الفيتو وما كان يؤدي إليه هذا الاستخدام من خلافات داخل المجلس، وقد كان قرار الاتحاد من أجل السلم الذي اتخذته الجمعية العامة عام 1950 أبان الحرب الكورية، أساسا للعديد من القرارات التي اتخذت في وقت لاحق عندما فشل أيضا مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى اتفاق حول العديد من المسائل كما حصل في مشكلة تأميم قناة السويس وما أدت إليه من العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كذلك أزمة الكونغو عام 1960 والنزاع بين الهند وباكستان عام 1971 ففي جميع الحالات حلت الجمعية العامة مكان مجلس الأمن الدولي وذلك بسبب تقاعسه عن عقد اجتماع أو اتخاذ قرار مناسب .
ولقد كانت الجمعية العامة الوعاء الأمثل للدبلوماسية على خلاف مجلس الأمن وبسبب طبيعة تشكيله وعدم وقوف الأعضاء على قدم المساواة، سواء في مدة العضوية أو في سلطة الاعتراض على القرارات الموضوعية، و بحكم طبيعة الاختصاصات المخولة للمجلس باعتباره الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة لكل هذه الأسباب كانت الدبلوماسية تمارس على نطاق ضيق في المجلس[url=#_ftn3][3][/url] ، ومع ذلك فإن مجلس الأمن الدولي قد نجح في حل العديد من الأزمات ونزع فتيلها في أوقات حرجة كما حصل في حصار برلين 1949 وأزمة القذائف الكوبية 1962 كما نجح مجلس الأمن في إرساء قوات حفظ السلام إلى العديد من مناطق الصراعات إلا أن محاولة القوى الكبرى وسعيها إلى حماية مصالحها كانت تعرقل دور المجلس في حل المنازعات وكانت تلجأ لتحقيق هذه الغاية إلى الفيتو أو ما يسمى قوة الفيتو المزدوجة والتي يتم بموجبها تحديد ما إذا كانت الحالة تستوجب استعمال الفيتو أم لا، كما أن الدول الكبرى تملك الصوت الحاسم لتقرير إذا ما كانت المسألة المطروحة في المجلس ذات طبيعة إجرائية وما إذا كانت تمثل نزاع أو موقف.
المطـلب الثا ني
( دور منظمة الأمم المتحدة في حـفظ السلم والأ من الدوليين بعد فترة الحـرب الباردة )
الأحداث لا تقع فجأة، فالتراكمية والشمولية تحتويها، وما حدث في العالم خلال التسعينيات ليس استثناء من كل هذا، وانهيار الاتحاد السوفيتي كان الحادث الأبرز، سواء من حيث سرعته المذهلة أو نتائجه التي قلبت كل الموازين[url=#_ftn4][4][/url] ، هذا الحدث الذي أثر بشكل أو بآخر على دور منظمة الأمم المتحدة و أدائها لواجباتها في مختلف المجالات وعلى شتى الأصعدة ،وبديهيا أن يكون التأثير أيضا على دور الأمم المتحدة في تسوية المنازعات الدولية قانونية كانت أم سياسية ،فالعالم اليوم في ظل قطب واحد ،إذ تتربع الولايات المتحدة الأمريكية على رأس الأكثر الأنظمة هيمنة وقوة، ورغم أن ميثاق الأمم المتحدة قد ينجح في منع الدول الصغرى من الاعتداء على بعضها البعض لكنه يقف في الوقت ذاته عاجز عن منع الدول الكبرى من أن تلحق الأذى بالدول الصغرى ،فغدا الميثاق سوطا يجلد ظهور الضعفاء ورخصة في يد الأقوياء [url=#_ftn5][5][/url].
وغياب أحد القطبين المهمين والذي نعني به الاتحاد السوفيتي السابق له الأثر البالغ على الوضع الدولي برمته ،والذي من أخطر تأثيراته على تسوية المنازعات الدولية في الأمم المتحدة هو الانحراف الخطير لمجلس الأمن الدولي في ممارسة سلطاته من خلال قراراته و بتأثير من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يتدخل في أمور ليست من اختصاصه، فميثاق الأمم المتحدة صريح جدا في أن مهمة مجلس الأمن هي حفظ السلم والأمن الدوليين، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذه المهمة، وعندما يكون النزاع قانونيا فعلى المجلس أن يراعي أن على أطرافه أن يعرضوه على محكمة العدل الدولية، فلو رجعنا إلى القرارات التي أصدرها المجلس فيما يتعلق بترسيم الحدود بين العراق والكويت فإننا نرى أن المجلس قد أصدر قراره والمرقم 660 في 2 أفريل 1990 والذي يقضي بانسحاب العراق من الكويت والبدء فورا بمفاوضات مكثفة لحل الخلافات بينهم. [url=#_ftn6][6][/url]
ومن المؤكد أن مسألة الحدود هي إحدى أهم الخلافات بين الطرفين أي أنه ووفقا للقرار المذكور كان يجب ترك مسألة الحدود للمفاوضات بين الطرفين ،إلا أن المجلس عاد واتخذ القرار المرقم 687 في 3 أفريل 1991 قضى بموجبه قيام الأمين العام للأمم المتحدة بتشكيل هيئة لترسيم الحدود بين العراق والكويت وفعلا تم تشكيل الهيئة المذكورة في 2/5/1991 من ممثل واحد عن كل من العراق والكويت وثلاثة خبراء مستقلين وسكرتير للهيئة، وبعد 82 اجتماعا عقدتها الهيئة في كل من جنيف ونيويورك، قدم رئيسها تقريرا للأمين العام في 20/5/1993 ضمنه النتائج النهائية لعمل الهيئة وأرفق به خريطة توضح مراسيم الحدود.
المبحث الثاني : نماذج عن دور منظمة الأمم المتحدة في حفظ السلم و الأمن الدوليين. [ltr]تقدم إدارة عمليات حفظ السلام المساعدة، منذ عقود، في إصلاح العناصر الفردية المكونة لقطاع الأمن مثل أجهزة الشرطة. ومع ذلك، لم تبدأ الإدارة إلا مؤخرا في دعم تلك الجهود على المستوى الاستراتيجي وبطريقة كلية تشمل جميع العناصر.[/ltr]
[ltr]وفي الميدان، قدم الدعم للسلطات الوطنية، على النحو التالي :[/ltr]
[ltr]- تيسير الحوارات الوطنية المتعلقة بإصلاح قطاع الأمن. [/ltr]
[ltr]- وضع سياسات واستراتيجيات وخطط الأمن والدفاع الوطنيين .[/ltr]
[ltr]- تعزيز القدرات الرقابية والإدارية و التنسيقية.[/ltr]
[ltr]- بيان التشريعات المتعلقة بقطاع الأمن.[/ltr]
[ltr]- تعبئة الموارد للمشاريع ذات الصلة بإصلاح قطاع الأمن.[/ltr]
[ltr]- الدعم الدولي المقدم لإصلاح قطاع الأمن.[/ltr]
[ltr]- التعليم والتدريب وبناء المؤسسات.[/ltr]
[ltr]- رصد وتقييم البرامج والنتائج.[/ltr]
[ltr]وفي إدارة عمليات حفظ السلام وحدة لإصلاح قطاع الأمن في مقر الأمم المتحدة، تقدم الدعم لمختلف بعثات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة، ومن أمثلتها :[/ltr]
[ltr]مكتب الأمم المتحدة المتكامل لبناء السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى[/ltr]
[ltr]مكتب الأمم المتحدة في بوروندي [url=#_ftn7][7][/url] (BNUB)[/ltr]
[ltr]بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (MONUSCO)[/ltr]
[ltr]مكتب الأمم المتحدة المتكامل لبناء السلام في غينيا – بيساو (UNIOGBIS)[/ltr]
[ltr]بعثة الأمم المتحدة في ليبريا (UNMIL)[/ltr]
[ltr]بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS)[/ltr]
[ltr]بعثة الأمم المتحدة المتكاملة في تيمور – ليشتي (UNMIT)[/ltr]
[ltr]مكتب الأمم المتحدة لدى الاتحاد الأفريقي (UNOAU)[/ltr]
[ltr]عملية الأمم المتحدة في كوت ديفوار (UNOCI)[/ltr]
[ltr]مكتب الأمم المتحدة لأفريقيا الغربية (UNOWA)[/ltr]
[ltr]مكتب الأمم المتحدة السياسي للصومال [url=#_ftn8][8][/url](UNPOS)[/ltr]
سوف نتناول من خلال هذا المبحث دور مجلس الأمن في حفظ الأمن والسلم الدوليين في كل من إقليم كوسوفو والسودان على سبيل المثال لا الحصر.
المطلب الأول
( دور مجلس الأمن في إدارة النزاع في إقليم كوسوفو)
تدخل مجلس الأمن في النزاع في كوسوفو في عام 1998 عندما اشتد العنف بين جيش تحرير كوسوفو، الذي طالب بالاستقلال الكامل، وحكومة جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود). وفي حزيران/يونيه 1999، بدأت منظمة حلف الأطلسي (الناتو) تدخلا عسكريا، وافقت صربيا في أعقابه على سحب قواتها، وظل مجلس الأمن يتدخل في الحالة بإنشاء إدارة مؤقتة في كوسوفو و بأمور، منها جهود بناء القدرة والتفاوض على الوضع النهائي.[url=#_ftn9][9][/url]
فأمام تصاعد أزمة اللاجئين الكوسوفيين أصدر مجلس الأمن القرار رقم " 1239 في 14 ماي 1999, ركز فيه على أهمية الجهود الدولية, وحث المنظمات الإنسانية على مواجهة الموقف ليتبعه قرار آخر في 10 جوان 1999 تحت رقم " 1244" الذي يدعم المبادئ التي وضعتها المجموعة في 06 ماي 1999, كأساس التسوية السلمية للنزاع في إقليم كوسوفو[url=#_ftn10][10][/url] والملاحظ أن هذا القرار أسند إلى أحكام المادة 53 من الميثاق, أين يمكن للأمم المتحدة أن تستعين بالمنظمات الإقليمية لمواجهة أي موقف من شأنه أن يهدد السلم في الأمن الدوليين.
فبعد دخول قوات حلف شمال الأطلسي إلى إقليم كوسوفو ، تتولى إدارة الإقليم "وبصفة مؤقتة" إدارة مدنية تابعة للأمم المتحدة مهمتها الأساسية تهيئة الإقليم للدخول في مفاوضات الوضع الدائم. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة لم يتم أي نقاش دولي حول مستقبل الإقليم منذ رحيل القوات الصربية عنه. ويبدو أن تضارب المصالح السياسية بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي حول مستقبل الإقليم في مرحلة ما بعد صربيا لا تزال هي العامل الأساسي في عدم حسم هذا الملف حتى الآن.
لذا اتفقت القوى الرئيسية في مجلس الأمن على إصدار قرار بتأجيل مناقشات الوضع النهائي للإقليم حتى أواخر عام 2005، وإلى ذلك الحين يتم تكوين سلطة كوسوفية محلية محدودة الصلاحيات تؤهل تدريجيا على مراحل متعددة لتحمل مسئولياتها، وتقوم الإدارة المدنية المؤقتة بدعم هذه السلطة من خلال بناء مؤسسات ديمقراطية تشارك فيها الأقليات المختلفة بالإقليم وعلى رأسها الأقلية الصربية، وخلال هذه المدة وبالتوازي مع هذا الهدف يتم تفعيل موضوع الحوار "الداخلي" بين الألبان وصرب كوسوفو من جهة بهدف بناء مجتمع كوسوفي متعدد الأعراق تحترم فيه الأكثرية حقوق الأقليات الأخرى. ومن جهة أخرى، يتم دفع الحوار "الخارجي" بين حكومتي برشتينا وبلجراد لحل المشاكل والقضايا العالقة بين الجانبين، وأهمها قضية اللاجئين الصرب والمفقودين الألبان بهدف تحقيق سلام دائم بينهما لتأمين منطقة البلقان مخاطر حروب عرقية أخرى.
وكانت الأمم المتحدة قد وضعت ثمانية معايير دولية يجب تطبيقها كشرط مسبق قبل أخذ قرار بدء مفاوضات الوضع النهائي للإقليم في خريف سنة 2005، على أن تتابع الإدارة المدنية تنفيذ هذه المعايير عن طريق إنشاء مجموعات عمل مشتركة من الجانبين الألباني والصربي، إضافة إلى موظفي الإدارة المدنية الدولية المؤقتة.[url=#_ftn11][11][/url]
وتعد جلسة مجلس الأمن الدولي يوم 27 مايو 2005 بمقر الأمم المتحدة في نيويورك أهم جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي في الشأن الكوسوفي منذ عام 1999 وحتى اليوم، حيث أعطى المجلس الضوء الأخضر للبدء في عملية تقييم تطبيق المعايير الدولية التي وضعتها الأمم المتحدة؛ وبناء على ذلك، فقد سمّي الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة "كوفي عنان" مبعوثا خاصا لكوسوفو هو "كاي أيدا" رئيس وزراء النرويج سابقا للقيام بعملية التقييم خلال الشهور الثلاثة القادمة التي على أساسها سوف يتخذ المجلس قراره بشأن بدء مفاوضات الوضع الدائم لإقليم كوسوفو بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التي ينتظر أن تبدأ في سبتمبر القادم .[url=#_ftn12][12][/url]
بهذا تدخل كوسوفو مرحلة مهمة وجديدة تقربها خطوة من المرحلة الأخيرة والمتمثلة في بدء النقاش الدولي المرتقب بمجلس الأمن الدولي حول التسوية النهائية للإقليم الذي يأمل ألبان كوسوفو أن تكون نتيجته هي نيلهم للاستقلال عن صربيا والعيش آمنين ضمن حدودهم التاريخية، وتأهيلهم مستقبلا للدخول في مفاوضات للانضمام للاتحاد الأوربي الذي سيكون بمثابة ضمان للنهوض الاقتصادي من جهة والخروج من دائرة التهديدات الصربية المستمرة من جهة أخرى.[url=#_ftn13][13][/url]
و في هذا السياق، ثمة عدة أسئلة تطرح نفسها بقوة على ساحة البحث بعد حوالي ست سنوات من حكم الإدارة المدنية التابعة للأمم المتحدة للإقليم، أبرزها: هل نجحت هذه الإدارة المدنية المؤقتة في تحقيق دورها المتمثل في تهيئة الأوضاع بالإقليم لمفاوضات الوضع النهائي؟ وهل قام المجتمع الدولي بمساعدة هذه الإدارة على أداء هذا الدور؟ وكيف تجاوب الطرف الكوسوفي "حكومة وشعبا" مع المعايير الدولية الموضوعة من قبل المجتمع الدولي؟ وهل تعاونت الأقلية الصربية مع الأكثرية الألبانية لبناء مجتمع ديمقراطي متعدد الأعراق؟ وما هو موقف حكومة بلجراد من تطور الأحداث في كوسوفو؟ أيضا لا بد من التساؤل حول دور الأطراف الدولية الفاعلة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ودول البلقان المجاورة لإقليم كوسوفو.. وهل ثمة تناقضات بين هذه المواقف بالقدر الذي قد يعوق مناقشة المجتمع الدولي للوضع النهائي للإقليم في موعده في سبتمبر عام 2005؟.
وترجع قصة الأزمة الكوسوفية إلى عام 1989 حينما قام الرئيس "سلوبودان ميلوسيفيتش" بإلغاء ميزة الحكم الذاتي لإقليم كوسوفو الذي قد منحه إياه الرئيس الأسبق لجمهورية يوغسلافيا السابقة "تيتو" في عام 1974؛ الأمر الذي دفع ألبان كوسوفو بالرد على ذلك بإجراء استفتاء عام بكوسوفو حول استقلال الإقليم في سبتمبر 1991، حيث صوت لصالح الاستقلال 99% ممن شارك منه، وبناء عليه، تمت انتخابات رئاسية كوسوفية نجح فيها "إبراهيم روجوفا" الأستاذ السابق بكلية الدراسات الألبانية بجامعة برشتينا في مقدمة لتحقيق الكوسوفيين حلمهم بالاستقلال عن طريق الطرق السلمية والدبلوماسية.
وقد عارضت صربيا كل هذه الأمور لأنها لا ترغب في استقلال كوسوفو الذي يقضي على حلم التوسع الصربي؛ ما دفع مجموعة من الشباب الكوسوفيين إلى تكوين جيش تحرير كوسوفو الذي أخذ في شن حرب عصابات ضد الجيش وقوات الشرطة الصربية المتواجدة في كوسوفو عام 1998/ 1999 وهو ما ردت عليه صربيا بحملات إبادة شديدة في المناطق التي ينطلق منها جيش التحرير الكوسوفي، من ثم لم تجد أوربا وأمريكا بُدًّا من التدخل عسكريا ضد صربيا للقضاء على هذه الحملات بعد أن فشلت جهود التفاوض السلمي التي كان آخرها مفاوضات "رامبوييه" مطلع عام 1999 نتيجة لتعنت الجانب الصربى مقابل قبول ألبان كوسوفو للشروط الدولية لحل هذا النزاع، وهو ما تحقق بالضربات الجوية من حلف الناتو لصربيا في مارس 1999 إلى أن دخلت القوات البرية لحلف الناتو إقليم كوسوفو في 9 يونيو 1999، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ كوسوفو لا يكون الحكم فيها للطرف الصربي أو للجانب الألباني وإنما لإدارة مدنية دولية مؤقتة تابعة للأمم المتحدة.
وتبلغ مساحة إقليم كوسوفو حوالي 11,000 كم، وعدد سكانه 2,500,000، وتبلغ نسبة المسلمين الألبان داخل كوسوفو حوالي 92%، والأقليات هناك (8%) تشمل الصرب والمونتنيغري والبوسنيين والغجر والأتراك. ويعتبر الإسلام هو الدين الرسمي داخل الإقليم حيث تبلغ نسبة المسلمين وسط الألبان حوالي 99%، كما أن هناك أقلية ألبانية صغيرة جدا تعتنق المذهب الكاثوليكي تتمركز في شمال كوسوفو.[url=#_ftn14]
[14][/url]
والجدير بالذكر أن فشل الأمم المتحدة في كوسوفو وعجزها عن إدارة النزاع وتسويته أدى بالأمين العام كوفي عنان إلى المطالبة بأن تمنح الأمم المتحدة صلاحية التدخل لأغراض إنسانية لمنظمات إقليمية في الأقاليم التي تكون عرضة لوقوع نزاعات وأزمات, بما يتماشى ومفاهيم السياسة وقواعد القانون الدولي ومواد ميثاق المنظمة الدولية التي تأكد على ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة وعدم المساس بالسيادة الوطنية للدول, بالإضافة إلى اعتبار الأمين العام أن " الموقف في كوسوفو شكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين, وهو ما نص عليه من قبل القرار 1199" الذي أسند للحلف معايير إنسانية وأخلاقية تفرض التدخل العسكري في الإقليم[url=#_ftn15][15][/url], ما أدى إلى تغيير دوره من حلف دفاعي إلى جهاز عسكري له صلاحيات التدخل العسكري في النزاعات، الإقليمية داخل حدود الدول المشكلة له وخارجها.
إن تدخل حلف الناتو في إقليم كوسوفو أدى إلى إحلال حلف الناتو محل مجلس الأمن ما أدى إلى اعتبار الحلف محدد للشرعية الدولية بالطريقة التي تتفق ومصالحه في الأساس وهو ما تم تأكيده بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، من المؤكد أن تدخل حلف الناتو في أزمة كوسوفو بمثابة علامة فاصلة في طريق تطور الأمم المتحدة والنظام الدولي، حيث سجل حلف الناتو تجاوز القواعد القانونية الدولية التي يفرض التعامل معها في مثل هذه النزاعات, متجاوزا دور الأمم المتحدة الموكل لها هذا العمل, وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى الأمم المتحدة والتي كان من المفروض أن تقوم بهذا التدخل إلا أنها حاولت تبرير عجزها في إدارة النزاع في إقليم كوسوفو بالرجوع إلى المادة 53 الفقرة1 من ميثاقها التي تنص على جواز اعتماد مجلس الأمن تفويض القيام بأعمال ترتيبات لمنظمات إقليمية لغرض إيجاد تسوية ما, والحقيقة أن تدخل الحلف الأطلسي بالقوة في كوسوفو خارج عن الشرعية الدولية مهما قامت الأمم المتحدة بإضفاء الطابع القانوني عليه وذلك للأسباب التالية:
1- لم يستند هذا التدخل إلى أي قاعدة قانونية دولية أو أي قرار دولي يسمح بهذا العمل العسكري.
2- الحلف له طابع عسكري منذ نشأته كمواجه للدول الشيعية المعادية للدول الليبرالية وهو يستهدف مصلحة أعضاءه فقط, لكن تغيرت مهمته بعد نهاية الحرب الباردة بانتهاء الصراع القطبي.
3- مخالفة الحلف العسكري بتدخله العسكري ما جاء في الميثاق المؤسس له بالأخص ما ورد في المادة (02) التي تنص على عدم جواز التدخل في شؤون الدول خارج الحلف.
4- تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق مكاسب في المنطقة خاصة بعد تزايد قوة صربيا وأطماع ميلوسوفيتش المتزايدة لذا استعملت الحلف بإمكانياته لتحقيق ما سبقت الإشارة إليه[url=#_ftn16][16][/url].
[url=#_ftnref1]
[1][/url]
- حسن فتح الباب ،المنازعات الدولية ودور الأمم المتحدة في المشكلات المعاصرة ،القاهرة، بدون سنة طبع ،ص583 وما بعدها .[url=#_ftnref2]
[2][/url]
- صالح جواد كاظم ،مباحث في القانون الدولي العام ،دار الشؤون الثقافية للنشر والتوزيع ،بغداد، الطبعة الأولى ،1991، ص 93.[url=#_ftnref3]
[3][/url]
- حسن فتح الباب، مرجع سابق، ص 584.[url=#_ftnref4]
[4][/url]
- باسل البستاني ،النظام الدولي الجديد آراء ومواقف – مجموعة بحوث شارك في كتابتها مجموعة من الأساتذة ، دار الشؤون الثقافية ،بغداد ،1992،ص5 .[url=#_ftnref5]
[5][/url]
-أحمد أبو الوفا محمد ، مشكلة عدم الظهور أمام محكمة العدل الدولية ،دراسة في إطار قانون الإجراءات الدولية ، دار النهضة العربية 1977،ص465.[url=#_ftnref6]
[6][/url]
- حسن فتح الباب ، مرجع سابق ،ص 584.[url=#_ftnref7][/url]
- [7] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][url=#_ftnref8]
[8][/url]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][url=#_ftnref9]
[9][/url]
- [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [url=#_ftnref10]
[10][/url]
- تنص المادة 53 الفقرة الأولى من الميثاق على أن يستخدم مجلس الأمن التنظيمات والوكالات الإقليمية للحد من أعمال القمع, كلما رأى ذلك ملائما ويوكن عملها تحت مراقبته وإشرافه, اما التنظيمات والوكالات نفسها فإنه لا يجوز بمقتضاها أو على يدها القيام بأي عمل من إعمال, القمع بغير إذن المجلس. [url=#_ftnref11]
[11][/url]
- [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][url=#_ftnref12]
[12][/url]
- [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][url=#_ftnref13]
[13][/url]
- [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][url=#_ftnref14]
[14][/url]
- [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [url=#_ftnref15]
[15][/url]
- [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][url=#_ftnref16]
[16][/url]
- [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]&cid2.article02/2.html
الموضوعالأصلي : مذكرتي * دور منظمة الامم المتحدة في حفظ السلم والامن الدوليين * // المصدر :