استيقظ من
نومه بتثاقل.فهم بفرك عينيه،لكنه تمنع عن تحريك مرفقيه.أحس بألم شديد
حولهما.التفت الى يديه ففوجئ بما لمحت عيناه،يداه موثوقتان مشدودتان الى
السرير بحبل غليظ.

احيط به عشرات بل آلاف من الرجال و
النساء. تفرس في الوجوه فلم يفقه أحدا. لم يتمالك نفسه،فاستشاط غيظا ،ثم
صرخ بأعلى صوته:"أيها الحراس".

و ما ان لفظ تلك الكلمة حتى شارف
نصل السيف فقأ عينيه،ارتجفت فرائصه رعبا و اهتزت أرجل السرير"مممممممممممن
أأنتم؟"

"نحن رعاياك"تكلم صاحب السيف.

"ممممماذاا ؟ وو ممما ذذذا تريدون؟
و ممماذا تفعلون في غرفتي؟ مكانكم ليس هنا"

" أنت الذي يجدر به الادراك بأن
مكانك ليس هنا"صوت مجهول

"أتينا لنأخذ حقنا" تكلمت امرأة
بصوت مشبع بالقوة و الحزم لكنه لا يخفي الألم و الحسرة.

"حقكم و ماهذا الحق؟"تساءل الملك

تقدم شيخ طاعن في السن من الصفوف
الخلفية . شيخ يبدو عليه الوقار و الحكمة و الرزانة.نظر الى الملك نظرة
تأمل ثم أمسك بيد الرجل مزيحا السيف عن وجه الملك قائلا له بصوته الحنون"لا
يا بني، الحوار لا يكون هكذا" أعقب كلام الشيخ ارتياح الشيخ فتنهد مبديا
ارتياحه ثم أضاف" فكوا وثاقي"

تبسم الشيخ و أضاف"أتظن أيها الملك
الشجع أننا سنتراجع عن بنود سطرناها منذ سنوات، انه يوم الحساب لن
نتراجع، أتظن أننا سنعود الى سباتنا؟ فصل الشتاء ولى و مرحبا بفجر الربيع،
فصل نضوج البراعم، فصل النمو و التطور، هاقد عبقت مدينتنا بعطور الفل و
الياسمين و انتشرت الورود في البساتين ، فصل نقضي فيه على الأعشاب الطفيلية
التي أنت تعد احداها."

التفت الى الأطفال مشيرا بيده
اليهم ممسكا بالاخرى تلابيب ثياب الملك ثم أضاف"هؤلاء هم براعم فجرنا
الجديد و أنت تخنقهم تتطفل عليهم، تسلبهم الغذاء و تمتص دماءهم، تأمل
حالتهم مارأيك؟"

التفت الملك الى الأطفال متأملا
حالتهم الرثة، ثياب ممزقة و سيقان حافية و أفواه جائعة و..

ثم اردف الشيخ قائلا " هؤلاء
البراعم سينضجون كما تنضج الثمار اليانعة و لن يحدث هذا الا قبل أن نقتل
الأعشاب الطفيلية"

ابتلع الملك رمقه و عجز عن الكلام
بل عجز عن التنفس و ادخال الهواء و عم صوت أسنانه التي تصطك أرجاء الغرفة و
عم أصوات قهقهات الجماهير المنتصرة أرجاء الغرفة أيضا

"ممممماذااا تتتريدووون منييي
أأأأيهااا الشعب الكريييم؟" كفاك تأتأة أيها الملك الغف" صرخ رجل آخر

" ألا يكفيك حرماننا العيش الكريم ،
نأكل أسوأ غذاء في حين تظفر أنت و أمثالك من أبناء القصر و أثريا المدينة
بأجوده ؟ نتزوج في عقدنا الرابع و أحيانا الخامس ،لا أبناء لنا، حياتنا تعب
بلا مقابل ساعات عديدة و أجور زهيدة، نحن شعب و لسنا خدم ، لكن الواقع
يثبت عكس ذلك، نلبس ما تريد و نأكل ما تريد و نشرب ما تريد أمجانين أم مرضى
لنفعل ما تأمر؟ اليوم ستفعل مــا نأمر اذا"

" أأنت اله لنفعل ما تريد؟" صاحت
فتاة

" أأنا بريء"قال الملك

" الله أكبر، سبحان الله، ملكنا
صار يعلم معنى بريء، ألم تتشبع أذناك سماعا لهذه الكلمة حين صرخ بها زوجي
في حضرتك مرارا و تكرارا و أنت تلفق له تهمة سلب و نهب المتاجر الذي كان
حارسا عليها؟ ألم تلتفت اليه بنظرة ملؤها السخرية و نظرت الى القاضي و
أمرته باتباع مجريات القانون الملكي؟" ثم التفتت المرأة الى الشعب خلفها
وصاحت"أيها الشعب ، زوجي كان ممعوءا ليلتها فلم يباشر عمله و ظل ساهرا
الليلة بأكملها، يتلظى فوق فراشه و هذا الطاغي اتهمه بالسرقة و رغم
شهادتنا و تأكيد وجود زوجي في المنزل كذبوني واعتقلوا زوجي لمدة عشر
سنوات.... ظلم ظلم و الله ظلم..اقتلوا هذا السفاح، اقتلوه"

تقدمت عجوز مسنة متكئة على عكاز
مهترئ،ضربت الأرض ثلاثا و قالت"عشرون سنة و أنا أتلهف شم رائحة ابني ،نفاه
هذا الطاغي عن البلاد متهما اياه بالزندقة ، و كل ما في الأمر أن ابني
خالفه في بعض أحكامه الباطالة فتضايق الملك من تدخلاته المتعددة و نفاه و
اتهمه بالكفر و الالحاد " نظرت الى الجماهير و صاحت" اذبحوه افصلو رأسه
البليد عن جسده الممتلئ بلحوم أبنائنا"

ثم تقدم صبي صغير الى مقدمة
الجماهير المصطفة و قال"أكاد أنا وعائلتيان نموت جوعا و جهلا، أنظر الى
جيراني يتكلمون لغة لا أفهمها و يلبسون ثيابا ما أجملها و أنا بين الموانئ
أنزل السلع علني أحصل بعض القروش أقتات بها ما يسد رمقي و رمق اخوتي، لا
يوجد في عائلتنا نفر منا السبعة، يفقه من الحروف و الكلمات شيئا مملكتك
أيها الطاغي تفرض الدفع لخدماتها و نحن شعب لم نلحق تلبية حاجيات بطوننا"

"كــــــــابوس، نعم كابوس،
أيقضوني، يـــا حراس"

أحس بيد خشنة توضع على صدره و توقف
بطنه الملوء من التأرجح يمنة و يسرة ،فاذابه صاحب السيف يقول" لا، انه
حقيقة، انتهى زمن الأحلام و آن أوان الواقع،واقع مرير لكنه يفتح مصراعيه
على منفذ جميل، حراسك تحت السيطرة و أنت سيؤول بك مصير لن تحمد عقباه"

"أرجوكم..." قاطعه شاب وسيم لكن لا
تخفي وسامته سخطه على ظلم الملك الظالم فقال" انتهى وقت أحلامك انه حلمنا
الذي يتحقق الآن، أيامنا كانت متشابهة لا نفرق بين الأحد و الجمعة،عرق يسرق
و فقر مدقع، لحظات متتالية كأنها ساعات من الألم و الحسرة و الألم ، كل
يوم نلمح أرواحنا تدفن،الى أن جاء ذلك اليوم الموعود،يوم فتح لنا باب
الجنان ،باب فتحه نسيم عطر ، فتح فلجة من ذلك الباب فرأينا ما لن ننساه،
جنان و ما أحلاها من جنان، ورود و طيور منتشرة في الارجاء، هالنا ذلك
المشهد الجميل و لما هممنا بالدخول اغلق الباب في وجوهنا و شقت الأرض و
خرجت الوحوش و أشارت الينا برماحها و هددتنا بحظر الدخول تباكينا علها تحن و
تدخلنا الى تلك الجنان الا أن الطيور حومت حولنا و صاحت، لا يدخل جنتنا
أمة يتخللها جبان،استغربنا و سألناها ومن هو هذا الجبان؟قالت، الجبان من
حرم الشجعان كرامتهم و سلب الفقراء ثروتهم ونهب الحكماء فقاهتهم و زرع
الحقد في قلوب الأحبة و فصل المعشوقيين و نهبهما حبهم و قتل روح الابداع و
التغير،فبحثنا عن صاحب هذه الصفات فلم نجد أحد أجدر بها غيرك،فهل ستحرمنا
من اللحاق بفجر جديد.