1- المنشآت الخاضعة لترخيص:installations soumises à autorisation
لقد حددت المادة 19 من قانون 03/10 الجهة المكلفة بتسليم رخصة استغلال المنشآت المصنفة، وذلك حسب أهميتها ودرجة الأخطار أو المضار التي تنجر عن استغلالها وقسمتها إلى ثلاثة أصناف:
حيث تخضع المنشآت من الصنف الأول إلى ترخيص من الوزير المكلف بالبيئة، ويخضع الصنف الثاني إلى ترخيص من الوالي المختص إقليميا، في حين يخضع الصنف الثالث إلى ترخيص من رئيس المجلس الشعبي البلدي، أما عن وقت طلب الترخيص فيتعين تقديمه في الوقت الذي يقدم فيه طلب رخصة البناء.
وفيما يتعلق بإجراءات الحصول على الترخيص فهي تتمثل في :
1- ضرورة تقديم طلب الترخيص لدى السلطة المانحة له: يشمل كافة المعلومات الخاصة بصاحب المنشأة سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا.
2- معلومات خاصة بالمنشأة: وتتمثل أساسا في الموقع الذي تقام فيه المنشأة، طبيعة الأعمال التي يعتزم المعني القيام بها، وأساليب الصنع.
3- تقديم دراسة التأثير أو موجز التأثير: الذي يقام من طرف مكاتب دراسات أو مكاتب خبرات أو مكاتب استشارات معتمدة من طرف الوزارة المكلفة بالبيئة، وهذا على نفقة صاحب المشروع.
4- إجراء تحقيق عمومي ودراسة تتعلق بأخطار وإنعكاسات المشروع: إلا أن المشرع لم يحدد كيفية إجراء هذا التحقيق، كما أنه لم يحدد الجهة المكلفة بالقيام به.
وكما سبق الإشارة إليه فإن المنشآت المصنفة محددة عن طريق قائمة، وعليه فإنه في حالة عدم ورود ذكر المنشأة ضمن هذه القائمة تقوم السلطة التي تم إيداع الملف لديها بإشعار صاحب الطلب خلال 15 يوم التي تلي تاريخ الإيداع ثم يعاد الملف إلى المعني.
أما في حالة ما إذا كانت المنشأة ضمن المنشآت المنصوص عليها في الصنف الثالث، ففي هذه الحالة يقرر الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي بمقتضى قرار الشروع في تحقيق مبينا فيه موضوع التحقيق وتاريخه ويقوم بتعيين منذوب محقق من بين الموظفين المصنفين على الأقل في الصنف 15 من القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية.
كما يتم تعليق الإعلان للجمهور في مقر البلدية التي سوف تقام المنشأة بإقليمها وذلك قبل 08 أيام على الأقل من الشروع في التحقيق، وتفتح على مستواها سجل تجمع فيه أراء الجمهور بعدها تقدم نسخة من طلب الرخصة للمصالح المحلية المكلفة بالبيئة والري والفلاحة والصحة والشؤون الاجتماعية والحماية المدنية ومفتشية العمل والتعمير والبناء والصناعة والسياحة من أجل إبداء رأيها في أجال 60 يوما وإلا فصل في الأمر من دونها.
وعند انتهاء التحقيق يقوم المنذوب المحقق باستدعاء صاحب الطلب خلال 8 أيام و يبلغه بالملاحظات الكتابية و الشفوية، ويطلب منه تقديم مذكرة إجابة خلال مدة حددها المشرع ب 22 يوما.
ثم يقوم المنذوب المحقق بإرسال ملف التحقيق إلى الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي مدعما باستنتاجاته الذي يفصل في الطلب بناءا على نتائج التحقيق التي يتم تبليغها إلى المعني.
وأجال التبليغ تختلف حسب الأصناف الثلاثة للمنشآت: فإذا كانت المنشأة تنتمي إلى الصنف الثالث فإن التبليغ يتم عن طريق رئيس المجلس الشعبي البلدي خلال مدة لا تتجاوز شهر، أما بالنسبة للمنشآت التي تنتمي إلى الصنف الثاني فإن التبليغ يتم في مدة أقصاها 45 يوم، في حين أن المنشآت من الصنف الأول فيتم التبليغ في مدة لا تتجاوز 90 يوما.
ويجب على الإدارة المختصة أن تبرر موقفها في حالة رفض تسليم الرخصة، ويمكن للمعني في هذه الحالة أن يتقدم بطعن إلا أن المرسوم98/339 لم يحدد الجهة التي يتم أمامها الطعن.
أما إذا تعلق الأمر بمنشأة غير مدرجة في قائمة المنشآت المصنفة وكان استغلالها يشكل خطراً وضرراً على البيئة، فالوالي وبناءا على تقرير من مصالح البيئة يقوم بإعذار المستغل محددا له أجلا لاتخاذ التدابير الضرورية لإزالة الأخطار أو الأضرار المثبتة، وإذا لم يمتثل المستغل في الأجل المحدد يوقف سير المنشأة إلى حين تنفيذ الشروط المفروضة .
2- المنشآت الخاضعة للتصريح:installation soumise à déclaration
وهي تلك المنشآت التي لا تسبب أي خطر ولا يكون لها تأثير مباشر على البيئة، ولا تسبب مخاطر
أو مساوئ على الصحة العمومية والنظافة والموارد الطبيعية والمناطق السياحية، لهذا فهي لا تستلزم القيام بدراسة التأثير أو موجز التأثير .
ويسلم هذا التصريح من طرف رئيس المجلس الشعبي البلدي، بعد أن يقدم صاحب المنشأة طلب يشمل على كافة المعلومات الخاصة به سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، والمعلومات الخاصة بالمنشأة ( الموقع، طبيعة الأعمال المقرر قيامها...إلخ).
أما إذا رأى رئيس المجلس الشعبي البلدي بأن المنشأة تخضع لنظام الرخصة فيقوم بإشعار صاحب المنشأة في أجل 8 أيام لكي يتخذ الإجراءات اللازمة لذلك .
الفرع الثالث: رخصة استعمال و استغلال الغابات
لقد صنف المشرع الجزائري الغابات ضمن الأملاك الوطنية العمومية ، إلا أنه ونظراً لكون أن الأملاك الغابية تتميز ببعض الخصوصيات ونظراً لمنافعها الكثيرة فإنها موضوع استعمال، الذي له خصوصيات فريدة في القانون الجزائري، يكاد يخالف قواعد الاستعمال (l’usage) المتعارف عليه في الأملاك العمومية التقليدية فالاستعمال في الغابات الجزائرية يكون في شكل استعمالي غابي (l’usage forestier) كما يكون على شكل استعمال اقتصادي وهو الإستغلال الغابي (l’exploitation forestière).
1- الإستعمال الغابي (l’usage forestier)
لقد خص المشرع الفصل الثالث من الباب الثالث لقانون الغابات 84/12 لموضوع الإستعمال داخل الأملاك الغابية مفرداً له ثلاث مواد وهي المواد 35،34 و36.
إلا أن المشرع لم يعرف معنى الإستعمال، وإنما اقتصر على ذكر المستعملين بإتخاذه للمعيار المكاني وتحديد مجال الإستعمال، وحصره في بعض المنتجات للحاجات المنزلية وتحسين ظروف المعيشة.
كما أن المشرع لم ينص صراحة على وجوب وجود الرخصة من أجل الإستعمال الغابي، ولكن بالرجوع لقواعد الإستعمال كحق عيني فإن الرخصة واجبة، هذا ما يؤدي بنا إلى الأخذ بالقواعد العامة التي تنظم الإستعمال الفردي، والتي توجب الرخصة الممنوحة من طرف الإدارة.
ولقد حدد المشرع المستعملين معتمدا في ذلك على معيار مكاني وحصرهم في السكان الذين يعيشون داخل الغابة أو بالقرب منها، ولهذا فالأشخاص الذين لا تتوفر فيهم هذا الشرط لا يستطيعون الإستفادة من هذا الإستعمال.
أما عن نطاق الإستعمال فلقد حصرته المادة 35 من قانون 84/12 في:
- المنشآت الأساسية للأملاك الغابية الوطنية.
- منتوجات الغابة.
- الرعي.
- بعض النشاطات الأخرى المرتبطة بالغابة ومحيطها المباشر.
- تثمين أراضي جرداء ذات طبيعة سبخية عن طريق تطوير الأنشطة الغير ملوثة المعلن عن أولويتها في المخطط الوطني.
2-الإستغلال الغابي (l’exploitation forestière)
بجانب الإستعمال الغابي الذي يقتصر على إنتفاع سكان الغابات من الثروة الغابية، نظم المشرع الإستغلال الغابي والذي يعني بالمفهوم البسيط قطع الأشجار.
ولقد نص قانون 84/12 على الإستغلال بالفصل الثالث مخصصا له مادتين ، محيلا في الأولى قواعد التطريق والقلع ورخص الإستغلال ونقل المنتوجات إلى التنظيم، ويحيل في الثانية إلى التنظيم كيفيات تنظيم المنتجات الغابية وبيعها.
وبالفعل صدر هذا التنظيم في شكل مرسوم 89/170 المؤرخ في 05 سبتمبر 1989 يتضمن الموافقة على الترتيبات الإدارية العامة والشروط التقنية لإعداد دفاتر الشروط المتعلقة باستغلال الغابات، ولقد نص هذا المرسوم على رخصة الاستغلال التي تسلمها إدارة الغابات، بحيث تقوم هذه الأخيرة قبل تسليم الرخصة ببعض الترتيبات الإدارية العامة يشاركها في ذلك الوالي وإدارة أملاك الدولة.
أما بالنسبة للتعاقد فهو يخضع لقاعدة التنافس الحر، ولا تسلم إدارة الغابات رخصة الإستغلال إلا بعد أن يقدم المتعاقد معها ملفا كاملا يثبت التزامه التام.
ويكون للإدارة المكلفة بتسيير الغابات سلطات واسعة قبل وأثناء وبعد الاستغلال:
-فقبل منح الاستغلال: هي التي تحدد الأشجار التي يجب أن تقطع وتجري عملية الوسم، والأهم من ذلك هي التي تضع دفتر الشروط الذي يحتوي على الشروط الإدارية العامة والشروط التقنية.
-أثناء الاستغلال: تتدخل إدارة الغابات في تحديد وقت القطع وظروفه وموقعه.
-وبعد انتهاء الاستغلال: يكون للإدارة سلطة التأكد من تفريغ المنتوجات طبقا لما هو موجود في دفتر الشروط.
ولقد قام قانون الغابات 84/12 بتصنيف الغابات إلى:
- غابات ذات المردود الوافر أو غابات الاستغلال foret d’exploitation : التي تتمثل مهمتها الأساسية في إنتاج الخشب والمنتوجات الغابية الأخرى.
- غابات الحماية: التي تتمثل مهمتها الرئيسية في حماية الأراضي والمنشآت الأساسية والإنجازات العمومية من الانجراف بمختلف أنواعه.
- الغابات والتكوينات الغابية الأخرى: كغابات التسلية والراحة والمخصصة للبحث العلمي والدفاع الوطني.
فغابات الإنتاج يكون هدفها الظاهر هو المردود الاقتصادي، ولكن هذا غير صحيح طالما أن استغلال هذه الغابات يكون بشروط وتحت إجراءات عديدة والتي سبق شرحها، كما يجب أن تتبع أساليب تقنية عديدة خشية الإضرار بالغابة وهنا يكمن الهدف الحقيق للحماية، فالمرسوم 89/170 قد أخذ بالحسبان جانب الحماية والاستغلال بمعنى الاستغلال العقلاني الذي يضمن استدامة الغابة إذا ما احترمت أحكامه.
الفرع الرابع: رخصة الصيد
لقد حدد قانون 04/07 شروط ممارسة الصيد، حيث اشترط حيازة الصياد لرخصة الصيد وكذلك لإجازة الصيد، كما اشترط أن يكون منخرطا في جمعية للصيادين، وأن يكون حائزا لوثيقة تأمين سارية المفعول تغطي مسوؤليته المدنية باعتباره صيادا ومسؤوليته الجزائية عن استعماله للأسلحة النارية أو وسائل الصيد الأخرى.
ولقد اعتبر المشرع أن رخصة الصيد هي التي تعبر عن أهلية الصياد في ممارسة الصيد وأن هذه الرخصة هي شخصية لا يمكن التنازل عنها أو تحويلها أو إعارتها، وأنها وقتية بحيث حدد مدتها بـ 10 سنوات مع إمكانية تقديم طلب تجديدها، ولقد حدد قانون 04/07 الجهة المختصة في تسليم رخصة الصيد وهو الوالي
أو من ينوب عنه أو رئيس الدائرة التي يقع فيه مقر إقامة صاحب الطلب.
أما إجازة الصيد فهي التي تسمح لصاحبها بممارسة الصيد في أماكن الصيد المؤجرة بالمزرعة أو المؤجرة من طرف الجمعية التي يكون عضوا فيها ، ولا تسلم إجازة الصيد إلا للصيادين الحائزين لرخصة الصيد سارية المفعول بناءا على طلب من جمعية الصيادين المنخرطين فيها، وتكون هذه الإجازة صالحة لمدة سنة وتسمح بممارسة الصيد لموسم واحد.
الفرع الخامس: رخصة استغلال الساحل و الشاطئ
لقد حددت المادة 14 من قانون 90/30 المتعلق بالأملاك الوطنية مشتملات الأملاك الوطنية العمومية، على أنها الأملاك العمومية الطبيعية والاصطناعية، وقد استمدت السواحل صفتها كأملاك عمومية وطنية بحكم نص القانون 90/30 فنصت المادة 15 منه أن من بين مشتملات الأملاك الوطنية العمومية شواطئ البحر وقعر البحر الإقليمي وباطنه والمياه الداخلية وطرح البحر.
هذا ما يؤدي بنا إلى القول أن الساحل عبارة عن جزء من الأملاك الوطنية العمومية الذي يخضع للقواعد العامة المتعلقة بحمايتها وتسييرها، بحيث تتمتع السلطة الإدارية المختصة بسلطة إدارة هذه الأملاك بغرض حمايتها.
فاستغلال هذه الأملاك يخضع إلى رخصة مسبقة ويتم من طرف الأشخاص إما بصفة مباشرة أو عن طريق مرفق معين، غير أن الاستعمال الجماعي للجمهور لهذه الأملاك يخرج عن هذه الأحكام شريطة أن يكون هذا الاستعمال موافقا للغرض الذي خصصت له هذه الأملاك، وعادة ما يكون شغل هذه الأملاك برخصة أو بعقد إداري أو في إطار اتفاقية وهذا الشغل يكتسي طابع مؤقت .
وفي هذا الإطار جاء القانون 02/02 ليكرس هذه الأحكام، بحيث أورد في مادته 17 وما يليها على أنه يخضع للتنظيم كل شغل للأجزاء الطبيعية المتاخمة للشواطئ، كما تتخذ المصالح المختصة جميع التدابير الضرورية للحفاظ على الشواطئ والأشرطة الرملية.
كما نص القانون 03/03 المتعلق بمناطق التوسع والمواقع السياحية، على أنه يتم استغلال الشواطئ بموجب حق الإمتياز عن طريق المزايدة المفتوحة، ووفقا لدفتر الشروط الذي يحدد المواصفات التقنية والإدارية والمالية للإميتاز، ويمنح هذا الأخير بقرار من الوالي المختص إقليميا بناءا على اقتراح من اللجنة الولائية، ويخضع استغلال الشواطئ وترقية النشاطات السياحية في هذه الفضاءات للقواعد الصحية وحماية المحيط، ويكون صاحب الإمتياز ملزم بإحترام مخطط تهيئة الشاطئ الذي يرفق باتفاقية الإمتياز.
ومن الأمثلة الأخرى لنظام الرخص التي جاء بها المشرع نذكر :
- قانون 01/19 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها: نصت المادة 42 منه على أنه تخضع كل منشأة لمعالجة النفايات الخاصة لرخصة من الوزير المكلف بالبيئة، والمعالجة للنفايات المنزلية وما شابهها لرخصة من الوالي المختص إقليميا، والمعالجة للنفايات الهامدة لرخصة من رئيس المجلس الشعبي البلدي المختص إقليميا.
-قانون 05/12 المتعلق بالمياه: لقد جاء هذا القانون بنظام قانوني خاص لإستعمال الموارد المائية، حيث منع القيام بأي استعمال لهذه الموارد من طرف شخص طبيعي أو معنوي إلا بموجب رخصة أو امتياز تسلم من طرف الإدارة المكلفة بالموارد المائية، والتي تخول لصاحبها التصرف لفترة معينة في منسوب أو حجم الماء المحدد على أساس الموارد الإجمالية المتوفرة حسب معدل سنوي والاحتياجات التي تتوافق مع الإستعمال المعتبر، وتعتبر رخصة استعمال الموارد المائية عقد من عقود القانون العام تسلم لكل شخص طبيعي أو معنوي قدم طلب بذلك، وتمكن هذه الرخصة القيام بالعمليات التالية:
1- إنجاز أبار أو حفر لاستخراج المياه الجوفية.
2- إنجاز منشآت تنقيب عن المنبع أو التحويل أو الضخ أو الحجز.
3- إقامة كل المنشآت أو الهياكل الأخرى لإستخراج المياه الجوفية أو السطحية.
- قانون 01/10 المتضمن قانون المناجم: الذي نص على أنه لا يمكن لأي شخص التخلي عن بئر أو رواق أو خندق أو موقع استخراج دون ترخيص مسبق من الوكالة الوطنية للجيولوجيا والمراقبة المنجمية ، كما لا يمكن لأي شخص القيام بأشغال التنقيب أو الاستكشاف المنجمي ما لم تكن بحوزته رخصة التنقيب أو الاستكشاف التي تسلم من الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية ، كما أن هذه الوكالة تسلم رخص أخرى وذلك في إطار ممارسة الأنشطة المنجمية نذكر على الخصوص: رخصة الاستغلال المنجمي الحرفي، رخصة عملية اللم للمواد المعدنية، رخصة استغلال مقالع الحجارة والمرامل.
المطلب الثاني: نظام الحظر و الإلزام
بجانب نظام الترخيص والذي يعتبر أهم وسيلة تستعمله الإدارة في مجال حماية البيئة، نجد نظام الحظر والإلزام وكذلك نظام التقارير.
الفرع الأول: نظام الحظر
يعتبر الحظر وسيلة قانونية تقوم بتطبيقه الإدارة عن طريق القرارات الإدارية، تهدف من خلاله منع إتيان بعض التصرفات بسبب الخطورة التي تنجم عن ممارستها، وكما أشرنا إليه سابقا فإنه من خصائص قواعد قانون حماية البيئة أن أغلبها عبارة عن قواعد أمرة، لا يمكن للأفراد مخالفتها باعتبارها تتصل بالنظام العام فالحظر صورة من صور القواعد الأمرة التي تقيد كل من الإدارة والأشخاص الذين يزاولون نشاطات مضرة بالبيئة .
هذا و برجوعنا إلى قوانين حماية البيئة نجد الكثير من هذه القواعد فلقد نص قانون 03/10 على أمثلة للحظر نذكر منها:
- ما نصت عليه المادة 33 التي منعت القيام بأي عمل من شأنه أن يضر بالتنوع الطبيعي أو يشوه طابع المجالات المحمية، كون أن المشرع قد أخضعها لأنظمة خاصة للحماية .
- في إطار حماية التنوع البيولوجي منع المشرع إتلاف البيض والأعشاش وتشويه الحيوانات الغير أليفة والفصائل النباتية غير المزروعة المحمية، وكذا نقلها أو استعمالها أو عرضها للبيع أو شراءها حية كانت أو ميتة .
- كما منع أيضا كل صب أو غمر أو ترميد لمواد مضرة بالصحة العمومية داخل المياه البحرية الخاضعة للقضاء الجزائري أو من شأنها عرقلة الأنشطة البحرية أو إفساد نوعية المياه البحرية.
أما قانون المناجم فنجده ينص على عدم إمكانية منح الترخيص بأي نشاط منجمي في المواقع المحمية بالقانون والاتفاقيات الدولية.
ولقد منع المشرع في قانون 04/07 من ممارسة الصيد عند تساقط الثلوج أو في الليل وفي فترات تكاثر الطيور والحيوانات ، كما يمنع اصطياد الأصناف المحمية أو القبض عليها عبر كامل التراب الوطني .
وبغرض حماية وتثمين الشواطئ نص القانون 03/02 المحدد للقواعد العامة للإستعمال والإستغلال السياحيين للشواطئ على منع كل مستغل الشواطئ القيام بأي عمل يمس بالصحة العمومية أو يتسبب في إفساد نوعية مياه البحر أو إتلاف قيمتها النوعية، ونظراً لما أصبحت تشكله ظاهرة استنزاف رمال البحر من مساس بالمظهر الجمالي للشواطئ وتقدم لمياه البحر اتجاه البر نصت المادة 32 من نفس القانون على أنه يمنع استخراج الرمل والحصى والحجارة من الشواطئ، كما منعت المادة 12 من قانون 02/02 والمتعلق بحماية الساحل وتثمينه التوسع الطولي للمحيط العمراني للمجمعات السكانية، الموجودة على الشريط الساحلي، على مسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات (3كلم) من الشريط الساحلي.
وبهدف منع التعامل العشوائي واللاعقلاني للنفايات فإنه يمنع على كل منتج للنفايات من تسويق المواد المنتجة للنفايات الغير قابلة للإنحلال البيولوجي أو استعمال مواد من شأنها أن تشكل خطرا على الإنسان لاسيما عند صناعة منتوجات التغليف، ويحظر خلط النفايات الخاصة الخطرة مع النفايات الأخرى، كما يمنع على منتج هذه النفايات أو الحائز عليها من تسليمها إلى شخص أخر غير مستغل لمنشأة معالجة النفايات، ولقد منعت المادة 25 من قانون 01/19 منعا باتا استيراد النفايات الخاصة الخطرة.
ولقد منع المشرع في ظل قانون المياه الجديد 05/12 كل بناء جديد أو غرس أو تشييد سياج ثابت وكل تصرف يضر بصيانة الوديان والبحيرات والبرك والسبخات والشطوط أو القيام بأي تصرف من شأنه عرقلة التدفق الحر للمياه السطحية في مجاري الوديان، ومنعت المادة 46 من نفس القانون تفريغ المياه القذرة في الأبار والحفر والينابيع وأماكن الشرب العمومية والوديان أو إدخال مواد غير صحية في الهياكل والمنشآت المائية المخصصة للتزويد بالمياه.
ونجد العديد من النصوص القانونية الأخرى التي تبنت أسلوب الحظر في مجال الحماية القانونية للبيئة، ففي مجال حماية الثروة الغابية يمنع المشرع تفريغ الأوساخ والردوم في الأملاك الغابية أو وضع أو إهمال كل شيء أخر من شأنه أن يتسبب في الحرائق.
من خلال هذه النصوص القانونية المشار إليها على سبيل المثال، يستنتج أن المشرع يستعين بأسلوب الحظر كلما توقع وجود خطر حقيقي يهدد التوازن البيئي، ويرى بضرورة التدخل للحفاظ على البيئة وحمايتها.
الفرع الثاني: نظام الإلزام
لقد سبق الإشارة أنه من خصائص قانون حماية البيئة، أنه ذو طابع تنظيمي آمر، فمن هذه الخاصية يجد نظام الإلزام مصدره، كما يجد أصله ضمن مبدأ النشاط الوقائي وتصحيح الأضرار البيئية بالأولوية عند المصدر principe de prévention et la lutte a la source Le
والإلزام هو عكس الحظر، لأن هذا الأخير إجراء قانوني وإداري يتم من خلاله منع إتيان النشاط، فهو بذلك يعتبر إجراء سلبي، في حين أن الإلزام هو ضرورة القيام بتصرف معين، فهو إجراء إيجابي.
لذلك تلجأ الإدارة لهذا الأسلوب من أجل إلزام الأفراد على القيام ببعض التصرفات لتكريس الحماية والمحافظة على البيئة.
وفي التشريعات البيئية هناك العديد من الأمثلة التي تجسد أسلوب الإلزام، ففي إطار حماية الهواء والجو نصت المادة 46 من قانون 03/10 على أنه يجب على الوحدات الصناعية إتخاذ كل التدابير اللازمة للتقليص أو الكف من استعمال المواد المتسببة في إفقار طبقة الأوزون.
وفيما يخص النفايات ألزم المشرع في قانون 01/19 كل منتج أو حائز للنفايات أن يتخذ كل الإجراءات الضرورية لتفادي إنتاج النفايات بأقصى قدر ممكن، وذلك بإعتماد وإستعمال تقنيات أكثر نظافة وأقل إنتاجاً للنفايات ، كما يلزم بالتصريح للوزير المكلف بالبيئة بالمعلومات المتعلقة بطبيعة وكمية وخصائص النفايات، أما النفايات المنزلية فأصبح لزاماُ على كل حائز للنفايات وما شابهها استعمال نظام الفرز والجمع والنقل الموضوع تحت تصرفه من طرف البلدية، والتي ينشأ على مستواها مخطط بلدي لتسيير النفايات المنزلية.
وبرجوعنا إلى قانون 03/02 المحدد للقواعد العامة لإستغلال الشواطئ، فنجده ينص على مجموعة من الإلتزامات تقع على صاحب إمتياز الشاطئ منها حماية الحالة الطبيعية وإعادة الأماكن إلى حالتها بعد إنتهاء موسم الإصطياف، كما يقع عليه عبء القيام بنزع النفايات.
ونجد كذلك قواعد الإلزام في قانون 85/05 المتعلق بحماية الصحة، إذ ينص في المادة 46 على أنه يلتزم جميع المواطنين بمراعاة قواعد الوقاية من مضار الضجيج.
كما يلزم قانون المناجم صاحب السند المنجمي أو صاحب رخصة استغلال مقالع الحجارة والمرامل أن يضع نظاماً للوقاية من الأخطار الجسيمة التي يمكن أن تنجم عن نشاطه.
الفرع الثالث: نظام التقارير
يعد نظام التقارير أسلوب جديد استحدثه المشرع بموجب النصوص الجديدة المتعلقة بحماية البيئة، ويهدف هذا النظام إلى فرض رقابة لاحقة ومستمرة على النشاطات والمنشآت أو ما يسمى بالمراقبة البعدية ، لهذا فهو يعتبر أسلوب مكمل لأسلوب الترخيص، كما أنه يقترب من الإلزام كونه يفرض على صاحبه تقديم تقارير دورية عن نشاطاته حتى تتمكن السلطة الإدارية من فرض الرقابة، وهو أسلوب يسهل على الإدارة عملية متابعة التطورات الحاصلة على النشاطات والمنشآت التي تشكل خطرا على البيئة، فبدلا من أن تقوم الإدارة بإرسال أعوانها للتحقيق من السير العادي للنشاط المرخص به، يتولى صاحب النشاط بتزويد الإدارة بالمعلومات والتطورات الجديدة، ويرتب القانون على عدم القيام بهذا الإلزام جزاءات مختلفة.
ومن أمثلة أسلوب التقرير في القوانين المتعلقة بحماية البيئة، نجد قانون المناجم الذي ألزم أصحاب السندات المنجمية أو الرخص أن يقدموا تقريرا سنويا متعلقا بنشاطاتهم إلى الوكالة الوطنية للجيولوجيا والمراقبة المنجمية ، ورتب القانون عقوبات جزائية على كل مستغل أغفل تبليغ التقرير تتمثل في الحبس من شهرين إلى ستة أشهر و بغرامة مالية من 5000دج إلى 20.000دج ، كما يتعين على صاحب رخصة التنقيب تقديم تقرير مفصل عن الأشغال المنجزة كل ستة(6) أشهر إلى الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية .
أما القانون المتعلق بتسيير النفايات 01/19 فقد نص على نظام التقرير في مادته21 والتي ألزمت منتجوا أو حائزوا النفايات الخاصة الخطرة بالتصريح للوزير المكلف بالبيئة بالمعلومات المتعلقة بطبيعة وكمية وخصائص النفايات، كما يتعين عليهم تقديم بصفة دورية المعلومات الخاصة بمعالجة هذه النفايات وكذلك الإجراءات العملية المتخذة والمتوقعة لتفادي إنتاج هذه النفايات بأكبر قدر ممكن، ولقد رتب المشرع عن مخالفة هذا الإجراء توقيع غرامة من خمسين ألف دينار 50.000دج إلى مائة ألف دينار 100.000دج .
ولقد نص قانون المياه الجديد 05/12 على أنه تعد الإدارة المكلفة بالموارد المائية نظام تسيير مدمج للإعلام حول الماء، الذي يكون منسجما مع أنظمة الإعلام وقواعد المعطيات المنشأة لاسيما على مستوى الهيئات العمومية المختصة، وأنه يتعين على الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الحائزين على رخصة أو إمتياز استعمال الأملاك العمومية الطبيعية للمياه، وأصحاب الامتياز أو المفوض لهم الخدمات العمومية للماء والتطهير وأصحاب امتياز استغلال مساحات السقي أن يقدموا دوريا للسلطة المكلفة بنظام التسيير المدمج للإعلام كل المعلومات والمعطيات التي تتوفر لديهم .
وفي نفس السياق نصت المادة 109 من نفس القانون على أنه يتعين على صاحب امتياز تسيير نشاطات الخدمة العمومية للماء أو التطهير تقديم تقرير سنوي للسلطة المانحة للامتياز، يسمح بمراقبة شروط تنفيذ
تفويض الخدمة العمومية وتقييمها، ويكون هذا التقرير السنوي والملاحظات المترتبة على دراسته موضوع عرض على الحكومة .
ونستخلص مما سبق أن نظام التقارير له أهمية بالغة في المراقبة المستمرة للأنشطة والمنشآت التي تشكل خطرا على البيئة، كما أنه يساهم في دعم باقي أساليب الرقابة الإدارية، إلا أنه ما يلاحظ على المشرع الجزائري أنه لم ينص بصفة صريحة على نظام التقارير في قانون حماية البيئة 03/10، وإن نجده قد تطرق له بصفة غير مباشرة في المادة 08 منه و التي تنص: "يتعين على كل شخص طبيعي أو معنوي بحوزته معلومات متعلقة بالعناصر البيئية التي يمكنها التأثير بصفة مباشرة أو غير مباشرة على الصحة العمومية، تبليغ هذه المعلومات إلى السلطات المحلية و/أو السلطات المكلفة بالبيئة".
فكان من الأجدر على المشرع إخضاع استغلال المنشآت المصنفة إلى نظام التقارير وذلك حتى يسهل على الإدارة المختصة مراقبة التقيد وإحترام شروط استغلالها من طرف أصحاب المؤسسات المصنفة.
المطلب الثالث: نظام دراسة التأثيرl’étude d’impact
نتطرق في هذا المطلب إلى تعريف نظام دراسة التأثير، ثم تحديد المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير ومحتواها.
الفرع الأول: المقصود بدراسة التأثير
لا يمكننا التكلم على مفهوم دراسة التأثير دون التطرق إلى مبدأ الحيطة le principe de prévention الذي يندرج ضمن المبادئ العامة لحماية البيئة، ويقصد به ضرورة اتخاذ التدابير الفعلية والمتناسبة للوقاية من خطر الأضرار الجسيمة المضرة بالبيئة، وذلك قبل القيام بأي مشروع أو نشاط .
من هذا المنطلق تجد دراسة التأثير مصدرها، والتي يرجع ظهورها إلى قانون البيئة للولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1970، والتي تبناها المشرع الفرنسي بمقتضى قانون 13 أكتوبر1976 المتعلق بحماية الطبيعة حيث أشار في المادة 02 منه إلى إلزامية دراسة التأثير باعتباره إجراء جوهري وضروري لتقييم أثار المشاريع على البيئة.
أما المشرع الجزائري فقد أخذ بنظام دراسة التأثير بمقتضى قانون حماية البيئة 83/10 والذي عرفه بأنه وسيلة أساسية للنهوض بحماية البيئة، يهدف إلى معرفة وتقدير الانعكاسات المباشرة والغير مباشرة للمشاريع على التوازن البيئي وكذا على إطار ونوعية معيشة السكان.
ولقد صدر في ظل هذا القانون مرسوم تنفيذي رقم 90/78 المتعلق بدراسات التأثير في البيئة، بحيث عرفت المادة 02 منه نظام دراسة التأثير بأنه إجراء قبلي يخضع إليه جميع أشغال وأعمال التهيئة أو المنشآت الكبرى التي يمكن بسبب أهميتها وأبعادها وأثارها أن تلحق ضررا مباشرا أو غير مباشر بالبيئة ولاسيما الصحة العمومية والفلاحة والمساحات الطبيعية والحيوان والنبات والمحافظة على الأماكن والآثار وحسن الجوار.
أما القانون الجديد 03/10 فلقد عرف دراسة التأثير في المادة 15 والتي تنص: "تخضع مسبقا وحسب الحالة لدراسة التأثير أو لموجز التأثير على البيئة مشاريع التنمية والهياكل والمنشآت الثابتة والمصانع والأعمال الفنية الأخرى، وكل الأعمال وبرامج البناء والتهيئة، التي تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة فورا أو لاحقا على البيئة، لاسيما على الأنواع والموارد والأوساط والفضاءات الطبيعية والتوازنات الإيكولوجية وكذلك على الإطار ونوعية المعيشة".
كما عرف قانون المناجم بدوره دراسة التأثير على البيئة بأنها تحليل أثار استغلال كل موقع منجمي على مكونات البيئة بما فيها الموارد المائية، جودة الهواء والجو، سطح الأرض وباطنها، الطبيعة النبات والحيوان وكذا على التجمعات البشرية القريبة من الموقع المنجمي بسبب الضوضاء والغبار والروائح والاهتزازات وتأثيرها على الصحة العمومية للسكان المجاورين، وتشمل دراسة التأثير على البيئة مخطط تسيير البيئة الذي يتم تحضيره وفق إجراءات تحددها القوانين والأنظمة المعمول بها عند بداية أشغال الاستكشاف أو الاستغلال .
وبرجوعنا إلى الفقه نجده يعرف دراسة التأثير بأنها "الدراسة التي يجب أن تقام قبل القيام ببعض مشاريع الأشغال أو التهيئة العامة أو الخاصة، بقصد تقييم أثار هذه الأخيرة على البيئة" .
أما الفقيه ميشال بريور فإنه يرى بان دراسة التأثير تجد مصدرها في المبدأ التقليدي" الوقاية خير من العلاج" ومن أجل ذلك لابد من التفكير قبل القيام بأي عمل، وعليه لابد من المعرفة والدراسة المسبقة للتأثير، أي معرفة أثار النشاط على البيئة ، كما يرى بأن دراسة التأثير هي عبارة عن دراسة علمية وتقنية مسبقة، وإجراء إداري متطور.
« L’étude d’impact est une étude scientifique préalable et une procédure administrative révolutionnaire »
وهناك جانب من الفقه يؤكد بأن هذا الإجراء يبين بوضوح اهتمام التشريعات الحديثة بتوفيق النمو الاقتصادي وحماية البيئة أو ما يعرف اليوم بالتنمية المستدامة .
وهناك تعريف للدكتور يحي عبد الغني أبو الفتوح الذي يعتبر بأن دراسة التأثير هي:" مجموعة من الدراسات تبدأ بدراسة فكرة المشروع مروراً بجوانب جدواه السوقية والفنية والمالية والبيئية والقانونية تحقيقا لإختيار المشروع الأصح من وجهة نظر المستثمر من جهة، ووجهة نظر الدولة من جهة أخرى" .
من خلال هذه التعريفات التشريعية والفقهية التي ذكرنها يمكن أن نصل إلى وضع تعريف لدراسة التأثير "على أنها دراسة تقييمية للمشاريع والمنشآت الخطرة والتي لها تأثير مباشر أو غير مباشر على البيئة البحرية الجوية أو البرية، بما تسببه من أثار صحية، نفسية أو فيزيولوجية بهدف الحد منها أو تقليلها".
الفرع الثاني: المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير
لقد حدد المشرع الجزائري في المادة 15 من قانون 03/10 المشاريع التي تتطلب دراسة التأثير وهي: "مشاريع التنمية والهياكل والمنشآت الثابتة والمصانع والأعمال الفنية الأخرى وكل الأعمال وبرامج البناء والتهيئة"، وهو نفس النص الذي نجده في قانون 83/10 والمرسوم التنفيذي 90/78 المتعلق بدراسات التأثير في البيئة.
لهذا فيمكن أن نستنتج معيارين لتصنيف المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير:
المعيار الأول: مفاده ربط الدراسة بحجم وأهمية الأشغال وأعمال التهيئة والمنشآت الكبرى .
المعيار الثاني: وهو بالنظر إلى العمليات التي لها تأثير على البيئة، هذه الأثار إما أن تمس البيئة الطبيعية كالفلاحة والمساحات الطبيعية والحيوانات والنباتات، وإما أن تمس البيئة البشرية خصوصا الصحة العمومية وكذا الأماكن والأثار وحسن الجوار.
ما يعاب على المشرع الجزائري أنه في المادة 15 من قانون 03/10 لم يعطي الوصف الدقيق لطبيعة المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير، وإنما ترك الأمر على عموميته فكان من الأجدر وضع قائمة يحدد فيها هذه الأعمال والمشاريع التي يستوجب أن تخضع لدراسة التأثير.
أما الشيء الإيجابي الذي جاء به المشرع في المرسوم التنفيذي 90/78 أنه وضع قائمة للمشاريع المعفاة من دراسة التأثير، متأثراً بذلك من قانون حماية الطبيعة الفرنسي لسنة 1976 الذي وضع بما يسمى بالقائمة السلبية la liste négative التي تشمل فقط المشاريع التي تعفى من دراسة التأثير البيئي، وهي محددة على سبيل الحصر، وبمفهوم المخالفة كل مشروع لا تنطبق علية المعايير الواردة في القائمة فإنه يخضع لدراسة مدى التأثير.
فحسن ما فعل المشرع الجزائري بأخذه بهذا الاتجاه أو المعيار (معيار القائمة السلبية)، والذي تكمن أهميته بالنسبة لتقدير القاضي في حالة وجود فراغ ويصعب عليه تحديد مدى اعتبار المشروع خطراً وضاراً بالبيئة وهذا انطلاقا من القائمة السلبية التي تعد بمثابة مرجع بالنسبة لقاضي الموضوع ، ولقد نصت المادة 16 من قانون03/10 على أنه يحدد التنظيم قائمة الأشغال التي بسبب أهمية تأثيرها على البيئة تخضع لإجراءات دراسة التأثير، والتي يمكن أن نطلق عليها بالقائمة الإيجابية la liste positive .
ولكن المشكل الذي يطرح اليوم هو أن الآجال الذي حدده المشرع لسريان النصوص التنظيمية التي كانت تطبق في ظل القانون القديم 83/10 قد انتهى بمرور سنتين، ومع ذلك لم تصدر النصوص التنظيمية الجديدة هذا ما يجعلنا أمام فراغ قانوني .
ومهما يكن من الأمر فالمشرع في قانون 03/10 قد أخضع بصريح النص تسليم رخصة استغلال المنشآت المصنفة إلى تقديم دراسة التأثير أو موجز التأثير .
كما أخضع تسليم رخصة ممارسة النشاطات الصاخبة التي تمارس في المؤسسات والشركات ومراكز النشاطات والمنشآت العمومية أو الخاصة المقامة مؤقتا أو دائما، والنشاطات التي تجرى في الهواء الطلق، والتي قد تسبب في أضرار سمعية، والتي لا توجد ضمن قائمة المنشآت المصنفة إلى إنجاز دراسة التأثير .
وبجانب قانون حماية البيئة نجد قوانين أخرى تحدد بعض المشاريع الواجب خضوعها لدراسة التأثير منها:
- الاستثمارات والمنشآت المتعلقة بتهيئة الإقليم التي أخضعها قانون 01/20 المتعلق بتهيئة الإقليم والتنمية المستدامة إلى دراسة التأثير .
- كما أخضع القانون 01/19 المتعلق بتسيير النفايات شروط اختيار مواقع إقامة منشآت معالجة النفايات وتهيئتها وإنجازها وتعديل عملها وتوسيعها إلى التنظيم المتعلق بدراسة التأثير على البيئة.
- وبغرض حماية الساحل وتثمينه فإن رخص استخراج مواد البلاط وملحقاته تخضع هي الأخرى لدراسة التأثير .
الفرع الثالث: محتوى دراسة التأثير
إذا كان قانون البيئة القديم 83/10 لم يحدد بدقة محتوى دراسة التأثير وأحال بذلك إلى التنظيم. ، فإن القانون 03/10 قد نص في مادته 16 على الحد الأدنى لما يمكن أن تضمنه دراسة التأثير، وهو نفس المحتوى الذي نجده في المادة 05 من المرسوم التنفيذي 90/78 المتعلق بدراسة التأثير في البيئة، وبحسبه يتضمن محتوى دراسة التأثير العناصر التالية:
1- عرض عن النشاط المزمع القيام به.
2- وصف للحالة الأصلية للموقع وبيئته اللذين قد يتأثران بالنشاط المزمع القيام به.
3- وصف للتأثير المحتمل على البيئة وعلى صحة الإنسان بفعل النشاط المزمع القيام به، والحلول البديلة المقترحة.
4- عرض عن أثار النشاط المزمع القيام به على التراث الثقافي، وكذا تأثيراته على الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
5- عرض عن تدابير التخفيف التي تسمح بالحد أو بإزالة، وإذا أمكن بتعويض الآثار المضرة بالبيئة والصحة.
كما حدد المشرع الجهة التي تقوم بإعداد دراسة التأثير وحصرها في: مكاتب دراسات، مكاتب خبرات أو مكاتب استشارات معتمدة من الوزارة المكلفة بالبيئة، والتي تنجزها على نفقة صاحب المشروع.
ولقد بين المرسوم التنفيذي 90/78 كيفية تقديم الوثيقة الخاصة بدراسة التأثير، حيث يودعها صاحب المشروع في ثلاث نسخ على الأقل لدى الوالي المختص إقليميا الذي يحولها بدوره إلى الوزير المكلف بالبيئة، هذا الأخير إما أن يوافق على دراسة التأثير في البيئة بتحفظ أو بدونه، فيصدر قرارا بأخذ الدراسة بعين الإعتبار والموافقة عليها أو أن يرفضها بعد فحصها وفي هذه الحالة لابد من تسبيب قرار الرفض، كما يمكن للوزير المكلف بالبيئة أن يطلب دراسات أو معلومات تكميلية قبل أن يتخذ قراره .
في حالة موافقة الوزير المكلف بالبيئة على دراسة التأثير يقوم الوالي بتبليغ هذا القرار إلى صاحب المشروع ويمكن لأي شخص طبيعي أو معنوي أن يطلع في مقر الولاية المختصة إقليميا على دراسة التأثير بمجرد ما يبلغ الوزير الوالي قراره بأخذ الدراسة بعين الإعتيار.
كما يتخذ الوالي بموجب قرار تدابير الإشهار، لدعوة الغير سواءاً كان شخصا طبيعيا أو معنويا إلى إبداء الرأي في الأشغال وأعمال التهيئة والمنشآت المزمع إنجازها، وذلك عن طريق التعليق بمقر الولاية ومقر البلديات المعنية وفي الأماكن المجاورة للمواقع المزمع إنجاز الأشغال أو أعمال التهيئة أو المنشأة فيها.
ويجب أيضا إشهار دراسة التأثير في البيئة عن طريق نشرها في جريدتين يوميتين وطنيتين على الأقل.
ولقد نص المشرع في المادة 11 من المرسوم السالف الذكر ، أن الوالي يعين محافظ يتولى مهمة تسجيل ملاحظات الجمهور الكتابية والشفوية المتعلقة بالأشغال أو أعمال التهيئة أو المنشآت في سجل خاص، يقفل هذا السجل في نهاية شهرين من تاريخ فتحه، ويحرر المحافظ تقريرا تلخيصيا يرسله إلى الوالي، الذي يرسله بدوره إلى الوزير المكلف بالبيئة ويعلمه بنتائج الإستشارة العمومية مشفوعا إن اقتضى الأمر برأيه الخاص مبينا أسباب الأشغال أو أعمال التهيئة أو المنشآت المزمع إنجازها.
المبحث الثالث: الهيئات المكلفة بحماية البيئة
إن نجاح سياسة إدارة عقلانية للبيئة يتوقف أولاً على القدرات المؤسساتية، ذلك أن النصوص القانونية وحدها غير كافية على تنظيم أي مجال من مجالات الحياة العامة للأفراد، ما لم يتم تعزيزها بأجهزة ذات فعالية تتحكم في القضايا البيئية عن طريق ما يمنحه لها المشرع من أساليب في هذا الإطار، وفيما يخص الهيئات المكلفة بحماية البيئة يجب التنويه أن هناك العديد منها سواء على المستوى المركزي أو تلك المتواجدة على المستوى المحلي، كما لابد الإشارة إلى الدور الهام التي تلعبه الجمعيات باعتبارها وسيلة لإرساء الثقافة البيئية في المجتمع.
المطلب الأول: الهيئات المركزية
تميزت الهيئات المركزية المتعلقة بالبيئة في الجزائر بمسار فريد من نوعه منذ إنشاء أول هيئة عنيت بمسألة البيئة والمتمثلة في المجلس الوطني للبيئة سنة 1974 إلى غاية إحداث المديرية العامة للبيئة في 1994 وإقامة كتابة الدولة الكلفة بالبيئة في 1996 .
فمنذ حل المجلس الوطني للبيئة سنة 1977 جالت البيئة عبر عدة قطاعات، حيث تم ضم الإختصاصات البيئية بوزارات أخرى كالغابات سنة1981، وزارة الري سنة 1984، وزارة الداخلية سنة 1988، وزارة البحث والتكنولوجيا سنة 1990، ثم وزارة التربية سنة 1992، إلى أن تم إنشاء كتابة الدولة المكلفة بالبيئة سنة 1996 .
ومنذ 2001 نجد على رأس الهيكل الإداري المنظم للبيئة وزارة تهيئة الإقليم والبيئة ، التي تعتبر السلطة الوصية على القطاع عن طريق تسييره بالرقابة السلمية التي تفرضها على مختلف المديريات الولائية للبيئة وذلك لضمان تطبيق الأهداف المتوخاة من التشريع البيئي ولتحقيق التوازن بين الخصوصيات الجغرافية والبيئية لكل منطقة والقضايا البيئية ذات البعد الوطني.
ويوجد على رأس الوزارة، وزير تهيئة الإقليم و البيئة ، الذي يكلف أساساً في ميدان البيئة بما يأتي:
- المبادرة بالقواعد والتدابير الخاصة بالحماية والوقاية من كل أشكال التلوث وتدهور البيئة والإضرار بالصحة العمومية وبإطار المعيشة، وإتخاذ التدابير التحفظية الملائمة.
- المبادرة بقواعد وتدابير حماية الموارد الطبيعية والبيولوجية والأنظمة البيئية وتنميتها والحفاظ عليها.
- السهر على مطابقة المنشآت المصنفة على ضوء نصوص التشريع والتنظيم.
- المساهمة في ضبط المدونات المتعلقة بالمنشآت المصنفة وبالمواد الخطرة.
- المساهمة في تصنيف المواقع والمساحات التي تكتسي أهمية من الناحية الطبيعية أو الثقافية أو العلمية.
- إجراء دراسات التأثير على البيئة وإبداء الرأي في مدى مطابقتها وملاءمتها للتشريع والتنظيم المعمول بهما.
- المبادرة في أعمال التوعية والتربية والإعلام في مجال البيئة، وتشجيع إنشاء جمعيات حماية البيئة وتدعيم أعمالها.
وتتكون الإدارة المركزية في وزارة تهيئة الإقليم والبيئة مما يأتي :
- الأمين العام.
- رئيس الديوان.
- المفتشية العامة للبيئة ، والتي تشتمل على 5 مفتشيات جهوية تكلف بتنفيذ أعمال التفتيش والمراقبة المخولة للمفتشية العامة للبيئة.
- 8 مديريات مركزية وهي:
* المديرية العامة للبيئة .
* مديرية الاستقبالية والبرمجة والدراسات العامة لتهيئة الإقليم.
* مديرية العمل الجهوي والتلخيص والتنسيق.
* مديرية الأشغال الكبرى لتهيئة الإقليم.
* مديرية ترقية المدينة.
* مديرية الشؤون القانونية والمنازعات.
* مديرية التعاون.
* مديرية الإدارة والوسائل.
أما المديريات البيئة للولايات، فلقد نظمها المرسوم التنفيذي رقم 03/494 المؤرخ في17 ديسمبر2003 المتضمن إحداث مفتشية للبيئة في الولايات ، وتنظم هذه المديريات في مصالح ومكاتب يسيرها مدير يعين بموجب مرسوم بناءاً على اقتراح الوزير المكلف بالبيئة.
ولقد نص قانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، على إنشاء هيئة للإعلام البيئي تتولى جمع المعلومات البيئية ومعالجتها وذلك على الصعيدين الوطني والدولي، كما تتكفل بإعطاء المعلومات المتعلقة بحالة البيئة لكل شخص طبيعي أو معنوي يطلبها منها ، وتُرِك الأمر للتنظيم لتحديد كيفية عمل هذه الهيئة وتشكيلها.
وبجانب وزارة تهيئة الإقليم والبيئة، نجد وزارات أخرى تمارس مهاماً بيئية محضة في قطاع معين، من بينها:
- وزارة الصحة والسكن: والتي هي مكلفة بكل الجوانب المتعلقة بصحة السكان، لاسيما في مجال مكافحة الأمراض المتنقلة عبر المياه.
- وزارة السياحة: والتي من مهامها المحافظة على الوسط الطبيعي ومحاربة تدهور المواقع السياحية.
- وزارة التعليم العالي والبحث العلمي: والتي تمارس العديد من المراكز والمعاهد الموضوعة تحت وصايتها مهام بحث ضرورية في مختلف المجالات: كالتصحر، الوسط البحري، المناطق الساحلية، التلوث الجوي إستعمال المواد المشعة...إلخ.
- وزارة الطاقة والمناجم: فمن المهام المخول لها في مجال حماية البيئة هي المساهمة والمشاركة في الدراسات المتعلقة بالتهيئة العمرانية وحماية البيئة والتكامل الإقتصادي .
كما استحدث المشرع وبموجب التعديلات الجديدة، هيئات إدارية مستقلة les organes administrative autonome ، تسهر على تسيير وتنظيم مجالات بيئية معينة، والتي خففت بذلك الضغظ على السلطة الوصية والهيئات المحلية، ومن أهم هذه الهيئات المركزية المستقلة نذكر:
1 - المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة : والذي يعتبر مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري يتمتع بالشخصية المعنوية وذمة مالية المستقلة، والذي يكلف بالمهام التالية:
*وضع شبكات الرصد وقياس التلوث وحراسة الأوساط الطبيعية.
* جمع المعلومة البيئية على الصعيد العلمي والتقني والإحصائي ومعالجتها وإعدادها وتوزيعها.
* جمع المعطيات والمعلومات المتصلة بالبيئة والتنمية المستدامة، لدى المؤسسات الوطنية والهيئات المتخصصة.
* نشر المعلومة البيئية وتوزيعها.
ويدير المرصد مجلس إدارة ويسيره مدير عام ويساعده مجلس علمي، الذي يبدي أراء وتوصيات فيما يخص محاور وبرامج الدراسات والبحث، برامج التبادل والتعاون العلميين، طرق وتقنيات اكتساب المعطيات البيئية وتسييرها ومعالجتها.
-2الوكالة الوطنية للنفايات : والتي تعتبر مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي، تخضع للقانون الإداري في علاقاتها مع الدولة، وتعتبر تاجرة في علاقاتها مع الغير، تسير وفقا لنظام الوصاية الإدارية من طرف الوزير المكلف بالبيئة.
تدار الوكالة بمجلس إدارة يتكون من الوزير المكلف بالبيئة كرئيس أو يعين ممثل له، وأعضاء يمثلون الوزارات الأخرى.
أما عن اختصاصات هذه الوكالة، فهي تتكفل أساساً:
* بتطوير نشاطات فرز النفايات ومعالجتها وتثمينها.
* تقديم المساعدات للجماعات المحلية في ميدان تسيير النفايات.
* معالجة المعطيات والمعلومات الخاصة بالنفايات وتكوين بنك وطني
للمعلومات حول النفايات.
3- المحافظة الوطنية للساحل: أنشئت هذه الهيئة بموجب القانون 02/02 المتعلق بحماية الساحل وتثمينه
وتعتبر هذه المحافظة هيئة عمومية تكلف بالسهر على تنفيذ السياسة الوطنية لحماية الساحل وتثمينه على العموم والمنطقة الشاطيئية على الخصوص، كما تضطلع هذه الهيئة بإعداد جرد وافٍ للمناطق الشاطيئية، سواء فيما يتعلق بالمستوطنات البشرية أم بالفضاءات الطبيعية .
أما عن اختصاصات هذه المحافظة فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:
* إنشاء مخطط لتهيئة وتسيير المنطقة الساحلية في البلديات المجاورة للبحر من أجل حماية
الفضاءات الشاطيئية، الذي يسمى بمخطط تهيئة الشاطئ.
* إجراء تحاليل دورية ومنتظمة لمياه الإستحمام، وإعلام المستعملين بنتائج هذه التحاليل بصفة منتظمة.
* تصنيف الكثبان الرملية كمناطق مهددة أو كمساحات محمية، ويمكن إقرار منع الدخول إليها .
* تصنيف أجزاء المناطق الشاطيئية التي تكون فيها التربة والخط الشاطئ هشين أومعرضين للإنجراف كمناطق مهددة، والتي يمنع فيها القيام ببناءات أو منشآت أو طرق أو حظائر توقيف السيارات .
-4 الوكالة الوطنية للجيولوجية والمراقبة المنجمية: لقد أنشئت هذه الوكالة بمقتضى القانون 01/10 المتعلق بقانون المناجم، وهي تعتبر سلطة إدارية مستقلة، تسهر على تسيير وإدارة المجال الجيولوجي والنشاط المنجمي .
وتتشكل هذه الوكالة من :
* مجلس إدارة يتكون من 5 أعضاء.
* أمين عا
الموضوعالأصلي : الوسائل القاننونية لحماية البيئة و دور القاضي في تطبيقها // المصدر :