وقد يسأل سائل: أيهما أشد فتنة الغنى أم فتنة الفقر؟ وأيهما أعظم أجراً الغني الشاكر أم الفقير الصابر؟ والجواب الصحيح- والله أعلم- أنَّ الغنى درجات، وأنَّ الفقر كذلك درجات، فبعض درجات الغنى أشد فتنة، كما أن بعض درجات الفقر أشد فتنة. والناس أيضاً أقسام، منهم من يكون المال أشد خطراً عليه، ومنهم من يكون الفقر أشد خطراً عليه. فالأمر يختلف من شخص إلى آخر، فقد يكون الفقر لبعض الناس أنفع، والغنى لآخرين أنفع؛ كما تكون الصحة لبعضهم أنفع والمرض لبعضهم أنفع؛ كما في الحديث الذي رواه البغوي وغيره عن النبي-صلى الله عليه وسلم- فيما يروى عن ربه -تبارك وتعالى-: (إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإنَّ من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإنَّ من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإنَّ من عبادي من لا يصلحه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، إنِّي أدبر عبادي إني بهم خبير بصير)8. والأجر كذلك، فهو تابع لشدة الفتنة والامتحان والمشقة، فمن بذل جهداً أعظم للاستقامة والنجاح في امتحانه كان أعظم أجراً، سواء كان فقيراً أم غنياً. فالعبرة بالجهد المبذول للالتزام لا بنوع الامتحان. وهكذا؛ فقد يكون أحد الأغنياء الشاكرين أعظم أجراً من فقير صابر، وقد يكون أحد الفقراء الصابرين أعظم أجراً من غني شاكر9. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم إنا نعوذ بك من غنى يطغينا، أو فقراً ينسينا. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
1 - رواه البخاري.
2 - رواه البخاري.
3 - رواه مسلم.
4 - رواه ابن ماجه، وانظر صحيح ابن ماجه للألباني رقم (3310)
5 - سبق تخريجه.
6 - رواه البخاري.
7 - رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
8 - أخرجه البغوي، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو بمعناه في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني.
9 - راجع: "الهدي النبوي في الرقائق"؛ صـ(88- 94). بحذف وزيادة. للدكتور شرف القضاة. دار الفرقان. الطبعة الثانية( 1410هـ). وللاستزادة في مسألة الغني الشاكر أم الفقير الصابر راجع: " مجموع الفتاوى(11/120) وما بعدها. وعدة الصابرين لابن القيم، فقد خصص جزءًا كبيراً ناقش فيه هذهالمسألة باستفاضة، وبين كثر ة النزاع فيها بين الأغنياء والفقراء.
الموضوعالأصلي : ظاهرة الترف // المصدر :