مقدمة:
النماذج الفذة من الرجال في تاريخ الشعوب و الأمم و الحضارات قليلة و نادرة كما جاع في الحديث النبوي الشريف {النَاسُ كَإِبِل ٍ مَائَةٍ لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَة ً} وهي على قلتها و ندرتها ، تتفاوت فيما بينها من حيث ما تحمله من رسالات أو ما تؤديه من مهام و هذا التفاوت يرجع إلى ما ينفرد به كل إنسان منخصائص فردية يستمدها من أصوله الإجتماعية و بيئته الإنسانية التي يولد فيها و يترعرع بين أحضانها ، ويرجع كذلك إلى مدى مايلزم به نفسه من عمل لصالح أمته و ما يبذله من تضحيات و يفقه من مواقف في سبيل هذا العمل .
ومع أن تاريخ الجزائري يحفل بأسماء رجال عظام سجلو أسماءهم بأحرف من نور في السجل التاريخي لهذا الشعب ، إلا أن ألمع هؤلاء و أكثرهم تأثيرا في تاريخ هذا الشعب و في مسيرته الحضارية بلا منازع بما أحدثه من ثورة هائلة في النفوس و الأوضاع ، و ما إنطلق منه من مبادئ ، وما توخاه من أهداف ، وهو لا شك رائد النهضة الإصلاحية الحديثة في الجزائر و المغرب العربي .الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله ، قال تعالى :"مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم ْمَنْ قَضَى نَحْبَهُ مِنْ يَنْتَظِرُ وَ مَا بَدَلُوا تَبْدِيلاٌ ".
التعريف بعبد الحميد بن باديس :
مولده ونشأته: ولد عبد الحميد بن باديس ، بمدينة قسنطينة ليلة الجمعة 11من شهر ربيع الثاني من سنة 1307 هـ ، الموافق لـ : 4 ديسمبر 1889م ، وكان الإبن البكر لوالديه الكريمين ، فوالده هو السيد محمد المصطفى بن مكي بن باديس ، الذي كان حافظا للقرآن الكريم عارفا بالضروري من علوم الدين ، كان ذا وجاهة سياسية ، يحب العلم و العلماء ، وكان رحماني الطريقة . أما أمه فهي السيدة زهيرة بنت جلول ، من أسرة اشتهرت بالعلم و التدين .
نشأته وطلبه العلم : نشأ في أحضان هذه الأسرة العريقة في العلم و الجاه ، وكان والده مهتما به أشد الإهتمام محبا له أشد الحب ، يعطف عليه و يتوسم فيه النباهة ، فحرص على تربيته تربية اسلامية خاصة ، فلم يدخله المدارس الفرنسية كبقية أبناء العائلات المشهورة ، بل أرسل به إلى الشيخ المقرئ محمد بن المداسي ، فحفظ عليه القرآن و أتقن تجويده ، وعمره لم يتجاوز الثالثة عشرة .ولما رأى الشيخ ما أبداه تلميذه من نجابة و ذكاء مميزين قدمه لامامة الناس في صلاة التراويح لمدة ثلاث سنوات في الجامع الكبير ، وبعد أن أتم حفظ القرآن سنة 1903وجهه والده إلى المربي و العالم الجليل الشيخ الونيسي فتلقى عنه العلوم العربية و الاسلامية و مكارم الأخلاق . وقد تجاوز به هذا الشيخ حد التعليم المعهود من أمثاله إلى التربية و التثقيف و الأخذ بيده إلى الغايات المثلى في الحياة .
زواجه : عندما بلغ الخامسة عشر من عمره زوجه والده من احدى قريباته وقد رزقه الله منها ولدا سماه اسماعيل عاش حتى حفظ القرآن ، وقبل أن يوجهه أبوه لطلب العلم توفي في حادث مفاجئ في 15من رمضان هـ ، الموافق لـ: 13جوان 1919م .
من أعماله : احياء اللغة و حفظ مكانتها في المجتمع الجزائري و تحريره من الاستعمار الفرنسي و المحافظة على وحدته الدينية الاسلامية و اللغوية و الوطنية و تاريخه المشترك و وحدة المصير . وذلك بالتزام منهج الأنبياء في التغيير و الإلتزام بالكتب و السنة في الوسائل و الأهداف و مراعاة الموازنة و الترتيب بين الأولويات و التزام المشاورة و العمل الجماعي المنظم و دراسة الوسائل المتاحة و التوظيف الأنجح منها .
الخاتمة : تلك إذن بعض جهود ابن باديس رحمه الله في حماية الوحدة الوطنية و الذود عن حياضها ، و ترسيخ مقوماتها ، ولقد آتت تـلك الجهود أكلها و أثمرت الخير الكثير ، إما على صعيد الوحدة الوطنية أو على سائر الأصعدة الأخرى التي ناضل فيها وعمل من خلالها على انتشال المجتمع الجزائري من وهدة الجهل و التخلف و الاستغلال...
و الحق أنه ما كان لرجل مثل ابن باديس في ضعف بنيته وقلة حيلته أن يحقق تلك المنجزات الضخمة لولا ايمانه العميق بالله عز وجل . و إيمانه بتناغم الشعب الجزائري مع دعوته وحركته الاصلاحية ذلك " الإيمان هو الذي ساعده على النجاح حتى استطاع أن يهزم خصوم القضية الوطنية وخصوم القضية الوطنية و اللغة العربية و الاسلام في الجزائر . ويزيحهم جميعا واحدا تلو الآخر ، وبذلك خرجت الشخصية الجزائرية بكل مقوماتهاظافرة منتصرة على أعدائها ، وسلرت لتحقيق هدفها الكبير في الحرية و الإستقلال.
رحمه الله وأعلى قدرة في الخالدين ، ووفقنا إلى إقتفاء آثاره و السير على منهجه الذي هو منهج الأنبياء المكرمين و العلماء العاملين ، وعن الإمام البشير الإبراهيمي يقول " يموت العضماع فلا يندثر منهم إلا العنصر الترابي الذي يرجع إلى أصله وتبقى معانيهم الحية في الأرض ، قوة تحرك ، ورابطة تجمع ، ونورا يهدي ، وعطرا ينعش . وهذا هو معنى العظمة وهذا هو معنى كون العظمة خلودا".
الموضوعالأصلي : بحث كامل عن عبد الحميد بن باديس // المصدر :