السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.حكمة مشروعية القضاء:شرع الله عز وجل القضاء لحفظ الحقوق، وإقامة العدل، وفصل الخصومات والمنازعات، وصيانة الأنفس والأعراض والأموال.
ولما كانت تجري بين الناس كثير من المعاملات كالبيع والشراء والإجارة ونحوها كالنكاح والطلاق ونحوها من العقود والحقوق، فقد وضع الشرع لذلك قواعد وشروطاً تحكم التعامل بين الناس؛ ليسود العدل والأمن بينهم.
ولكن قد تحدث بعض المخالفات لتلك الشروط والقواعد إما عمداً، أو جهلاً، أو نسياناً، أو إكراهاً، فتحدث المشاكل، ويحصل النزاع والشقاق والعداوة.
وقد تصل الحال إلى إزهاق الأرواح، ونهب الأموال، وتخريب الديار، واضطراب الأمن.
فشرع الله الحكيم العليم بمصالح عباده القضاء بشرع الله، لإزالة تلك الخصومات، وحل المشكلات، والقضاء بين العباد بالحق والعدل.
قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [50]} [المائدة: 50].
.كمال الشريعة الإسلامية:الله عز وجل أنزل إلينا الدين الكامل.
فأنزل الكتاب الذي فصّل فيه الأحكام والشرائع.
وأنزل الميزان وهو العدل الذي يمثل القوة القضائية.
وأنزل الحديد الذي يمثل القوة التنفيذية المؤيد للأحكام الشرعية.
قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [25]} [الحديد: 25].
.2- فضل القضاء:.فضل القضاء:
القضاء بين الناس وظيفة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
وحسن القضاء نعمة من الله، وله فضل عظيم لمن قوي عليه، وأمن على نفسه من الظلم والحَيف.
والقضاء عبادة لله عز وجل، وهو من أفضل القربات؛ لما فيه من الإصلاح بين الناس، وإنصاف المظلوم، ورد الظالم، وإقامة الحدود، وأداء الحقوق إلى أهلها، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والحكم بالقسط والعدل.
فلهذه الأمور العظيمة جعل الله فيه أجراً مع الخطأ، وأسقط إثم الخطأ إذا وقع باجتهاد، فإذا أصاب القاضي فله أجران: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وهو أجر الاجتهاد، ولا إثم عليه.
1- قال الله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [42]} [المائدة: 42].
2- وَعَنْ عَبْدالله بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». متفق عليه.
3- وَعَنْ عَبْدالله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ المُقْسِطِينَ عِنْد الله عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزّ وَجَلّ، وَكِلتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم.
4- وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ الله، وَرَجُلٌ قَلبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي الله، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقالَ: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه.
5- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أصَابَ فَلَهُ أجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأ فَلَهُ أجْرٌ». متفق عليه.
.منزلة القضاء:القضاء بين الناس والحكم بينهم بالعدل منصب شريف، ومقام رفيع؛ لما فيه من النفع العام والخاص، والإحسان إلى الخلق، وإقامة الحق والعدل.
ولهذا تولاه الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
وأول من تولاه في الإسلام رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
.3- خطر القضاء:.خطر القضاء:
1- القضاء موضوعه الحكم بين الناس بالحق والعدل، فلذلك خطره عظيم جداً؛ لأنه يُخشى حصول ميل من القاضي على أحد الخصمين، فيحكم له بغير الحق، إما لكونه قريباً له، أو صديقاً له، أو صاحب جاه تُرجى منفعته، أو صاحب رئاسة تُخاف سلطته ونحو ذلك، فيجور في الحكم متأثراً بما سبق.
2- القاضي يبذل جهداً كبيراً في معرفة الحكم الشرعي، والبحث في الأدلة، وهذا الجهد ينهك بدنه، ويرهقه، ويضعفه.
3- القاضي بشر يضعف إيمانه فيجور إما لهوى، أو لعصبية، أو لعداوة، أو لمحبة، أو لانتقام، أو لطمع.
والله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار وَكَلَه إلى نفسه، وعذبه في الدنيا والآخرة.
1- قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [26]} [ص: 26].
2- وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِياً بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبحَ بغَيْرِ سِكِّينٍ». أخرجه أبو داود وابن ماجه.
.أقسام القضاة:القضاة ثلاثة أصناف:
الأول: قاض عرف الحق والحكم الشرعي فقضى به، فهذا من أهل الجنة.
الثاني: قاض عرف الحق، ولهواه حكم بغير الحق، فهذا في النار.
الثالث: قاض لم يعرف الحق، ولم يفهم الحكم الشرعي، فقضى بجهل، فهذا في النار، سواء أصاب في حكمه أو أخطأ.
عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «القُضَاةُ ثلاَثةٌ، اثنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الحَقَّ فَقَضَى بهِ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ». أخرجه
أبو داود وابن ماجه.
.خطر الحكم بغير ما أنزل الله:يجب على القاضي أن يحكم بين الناس بما أنزل الله من الشريعة.
والشريعة الإسلامية جاءت بتحقيق مصالح الخلق في الدنيا والآخرة، وهي كفيلة بإصلاح أحوال البشرية في جميع المجالات.
لهذا يجب على القاضي النظر في جميع ما يرد إليه من القضايا مهما كانت، والحكم فيها بما أنزل الله، فدين الله كامل كاف شاف.
ولا يجوز لأحد أن يحكم بغير ما أنزل الله مهما كانت الأحوال؛ لأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وظلم وفسق.
1- قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [44]}
[المائدة: 44].
2- وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [45]} [المائدة: 45].
3- وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [47]} [المائدة: 47].
.حكم طلب القضاء:طلب الولايات من قضاء وغيره له حالتان:
الأولى: أن يطلب القضاء أو الولاية لأنها متعينة عليه، لكونه لا يوجد من هو أهل لها غيره، وإذا تركها تولاها من لا يحسن القيام بها، فيطلبها بهذه النية الحسنة، وفيه قوة وأمانة، كما طلبها يوسف؟، فهذا مثاب مأجور معان عليها.
1- قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ [54] قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [55]} [يوسف: 54- 55].
2- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لا تَسْألِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْألَةٍ وُكِلتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وائْتِ الذي هوَ خَير». متفق عليه.
الثانية: أن يقصد من الحصول عليها الجاه، أو الرئاسة أو المال، أو يكون ضعيفاً لا يستطيع أن يقوم بحقها، أو ليس أهلاً لها، فهذا طلبه لها مذموم، ويجب منعه منها.
1- عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ». أخرجه البخاري.
2- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ الله أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَر إنّكَ ضَعِيفٌ، وَإنّهَا أَمَانَةٌ، وَإنّهَا يَوْمَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدّى الّذِي عَلَيْهِ فِيهَا». أخرجه مسلم.
3- وَعَنْ أَبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَخَلتُ عَلَى النَّبِىِّ؟ أَنَا وَرَجُلاَنِ مِنْ بَنِى عَمِّى، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ الله أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلاَّكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ: «إِنَّا وَالله لاَ نُوَلِّى عَلَى هَذَا العَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلاَ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ». متفق عليه.
.حكم قبول القضاء:إذا اختار إمام المسلمين أحداً للقضاء، ولم يكن في البلد أحد يصلح غيره، لزمه قبوله، فإن امتنع فهو عاص، وللحاكم إجباره؛ لأن الناس مضطرون إلى علمه وحكمه ونظره.
وإن وُجد في البلد عدد يصلح للقضاء، فمن وجد في نفسه القدرة فالقبول أفضل، ومن يعرف من نفسه عدم القدرة فالترك أفضل؛ لما في القضاء من الخطورة.
ويستحب قبول وطلب القضاء لعالم يرجو به نشر علمه بين الناس، ولمن يرجو بعمله إحقاق الحق، ومنع ضياع الحقوق، وتدارك جور بعض القضاة، وعجزهم عن إيصال الحقوق لأهلها، ولمن يريد جزيل الثواب؛ لأن القضاء عبادة لمن حكم بالعدل.
ويكره قبول القضاء لمن يخاف العجز عنه، أو لا يأمن على نفسه الحيف فيه، حتى لا يعرِّض نفسه للعقوبة.
عَنْ عَبْدالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ الله عَلَىَ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزّ وَجَلّ، وَكِلتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم.
.4- أحكام القضاء:.الفرق بين القاضي والمفتي:1- القاضي يبين الحكم الشرعي ويُلزِم به، والمفتي يبينه فقط.
2- المفتي أوسع دائرة من القاضي؛ لأنه يفتي في الخصومات وغيرها، والقاضي يختص حكمه في الأمور المتنازَع عليها بين الناس.
3- القاضي له ثلاث صفات:
فهو من جهة بيان الحكم مفت.. ومن جهة الإلزام بالحكم ذو سلطان.. ومن جهة الإثبات شاهد.
.محل القضاء:القضاء يكون في جميع الحقوق والواجبات، سواء كانت حقوقاً لله كالحدود والفرائض الواجبة لله، أو كانت حقوقاً للبشر كالقصاص، والمعاملات كالبيع والإجارة والنكاح ونحو ذلك مما يجري بين الناس.
فالإسلام دين كامل شامل، وفيه وحده حل جميع المسائل والمشاكل في الدنيا والآخرة.
1- قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
2- وقال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [49] أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [50]} [المائدة: 49- 50].
.شروط القاضي:يشترط في القاضي أن يكون رجلاً، مسلماً، بالغاً، عاقلاً، عدلاً، سميعاً، متكلماً، عالماً بما يقضي به.
والأفضل أن يكون القاضي مع هذا بصيراً، كاتباً، حراً ونحو ذلك من صفات الكمال.
وعلى إمام المسلمين أن يختار لمنصب القضاء الأفضل علماً، وورعاً، وإخلاصاً، وصدقاً، وأمانة، وتقوى.
وشروط القاضي حسب الإمكان، ويجب تولية الأمثل فالأمثل.
ولا يقضي بين الناس إلا من كان عالماً بالكتاب والسنة، فقيهاً في دين الله، قادراً على معرفة الحق من الباطل، بريئاً من الجور والظلم، بعيداً عن الهوى والتعصب.
.آداب القاضي:1- يسن أن يكون القاضي قوياً من غير عنف؛ لئلا يطمع فيه الظالم، ليناً من غير ضعف؛ لئلا يهابه صاحب الحق.
2- ينبغي أن يكون حليماً؛ لئلا يغضب من كلام الخصم، فتأخذه العجلة وعدم التثبت.
3- ينبغي أن يكون ذا فطنة؛ لئلا يخدعه بعض الخصوم، وأن يكون بصيراً بأحكام القضاة قبله؛ ليسهل عليه الحكم.
4- ينبغي أن يحضر مجلسه الفقهاء والعلماء، وأن يشاورهم فيما يشكل عليه.
5- أن يكون عفيفاً نزيهاً في نفسه وماله عن الحرام، أميناً مخلصاً في عمله لله عز وجل، يبتغي بذلك الأجر والثواب، ولا يخاف في الله لومة لائم.
6- أن يكون رحيماً؛ لئلا ينفر منه الناس.
7- يجب على القاضي أن يسوِّي بين الخصوم في الدخول عليه، والجلوس بين يديه، والإقبال عليهم، والاستماع لهم، والحكم بينهم بما أنزل الله.
8- يجب أن يكون القاضي حين الدعوى مطمئناً هادئاً، فلا يقضي بين الخصوم وهو غضبان، أو حاقن، أو في شدة جوع أو عطش، أو هم، أو ملل، أو كسل، أو نعاس ونحو ذلك مما يشغل عن فهم الخصومة، ويصرفه عن إصابة الحق، فإن خالف وأصاب الحق نفذ حكمه.
9- يسن للقاضي أن يتخذ كاتباً مسلماً، مكلفاً، عدلاً، يكتب له الوقائع والأحكام والوثائق ونحو ذلك.
10- يحرم على القاضي كغيره قبول رشوة، كما لا يقبل هدية من أحد الخصوم؛ لأن هدايا العمال غلول.
1- قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [49]} [المائدة: 49].
2- وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ». متفق عليه.
.ما يجب على القاضي معرفته:القاضي يحتاج عند الحكم إلى معرفة ثلاثة أمور:
معرفة الأدلة.. معرفة الأسباب.. معرفة البينات.
فالأدلة: معرفة الحكم الشرعي.
والأسباب: معرفة ثبوته في هذا المحل أو انتفاؤه عنه.
والبينات: معرفة طريق الحكم عند التنازع.
فمن أخطأ واحداً من هذه الثلاثة أخطأ في الحكم.
.صفة حكم القاضي:قضاء القاضي يَنْفذ ظاهراً لا باطناً، فحكم القاضي لا يحل حراماً، ولا يحرم حلالاً، فمن كسب القضية بباطل كشهادة زور، لحقه الإثم والتبعة وإن حكم له القاضي.
والقاضي مجتهد في حكمه، إن أصاب الحق فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ الحق الذي هو مراد الله تعالى فهو مجتهد مخطئ، وله أجر واحد، لاجتهاده في معرفة الحق وحرصه عليه.
ولا إثم عليه، فله أجر اجتهاده؛ لأن الاجتهاد في طلب الحق عبادة، وفاته أجر الإصابة.
1- عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: «إنّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإنّهُ يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقّ مُسْلِمٍ فَإنّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النّارِ، فَليَحْمِلهَا أَوْ يَذَرْهَا». متفق عليه.
2- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أصَابَ فَلَهُ أجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأ فَلَهُ أجْرٌ». متفق عليه.
.صلاحيات القاضي:القاضي ينظر في جميع الأمور، والأحوال، والقضايا.
فيفصل بين المتخاصمين إما بصلح، أو حكم نافذ.. وقمع الظالمين والمعتدين.. ونصرة المظلومين.. وإيصال الحقوق إلى أهلها، والنظر في الدماء والجراح، والأوقاف والوصايا والمواريث، والأموال.. وإقامة الحدود.. والقيام بحقوق الله تعالى.. وعقود النكاح والفسوخ والطلاق ونحوها.. والنظر في مصالح المسلمين العامة.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإذا ازدحمت الدعاوي، وكثرت المشاكل، فلا مانع من التخصص، فيكون لكل قاض نوع من القضايا كالحدود وأمور النكاح، والمواريث ونحوها.
.واجبات القضاة:يجب على القضاة ما يلي:
1- القضاء في كل حادثة بما يثبت عنده أنه حكم الله تعالى، إما بدليل قطعي من القرآن والسنة، أو بدليل ظاهر موجب للعمل منهما، أو بإجماع، أو قياس.
فإن لم يجد الحكم فيما سبق من المصادر اجتهد وعمل بما أدى إليه اجتهاده، وإن لم يكن مجتهداً اختار قول الأفقه والأورع من المجتهدين.
2- يجب على القاضي أن يحكم بما ثبت عنده بطرق الإثبات الشرعية، وهي: الإقرار، والبينة، واليمين.
3- يجب على القاضي نحو المقضي له ألا يكون ممن لا تجوز شهادته لهم كالأبوين، وأولاده، وزوجته، وشريكه في المال؛ لوجود التهمة.
4- يجب على القاضي أن يعدل بين الخصمين في لَحْظه ولفظه ومجلسه والدخول عليه.
الموضوعالأصلي : القضاء بين أحكام الشريعة والقانون الوضعي // المصدر :