المرتبة الثالثة: صيام العارفين
العارفون هم الذين عرفوا حقائق نفوسهم وأقبلوا علي الله يسعون لرضاه ويتجهون للعمل الذي يحبه ويرضاه وصيامهم بعمارة أنفاسهم كلها في طاعة الله يحرصون علي ألا يُضيعوا نَفَساً إلا في طاعة الله ولذلك أساس الوصول إلى هذا المقام العمل بحديث المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام{ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المرْءِ تَرْكُهُ ما لا يعْنِيهِ }[3] ليس عندهم وقت للمقت فيشغلون أنفسهم بالخلق وأخبارهم وأسرارهم وأحوالهم لأن هذه أمور تجعل السالك في طريق الله يُحجب بالكلية عن النور ولكنهم مشغولون بإنفاق الوقت في طاعة الله إن كان في اليقظة أو في النوم ولذلك تجدهم في اليقظة في ذكر الله أو في طاعة لله أو في متابعة لحبيبه ومصطفاه أو في عمل صالح يحبه الله ويرضاه فإذا نامت جوارحهم وأجسامهم قامت قلوبهم وأرواحهم إلي عالم الملكوت تقتطف لهم أزهار الحكمة من العوالم النورانية والعوارف من الملائكة المقربين ويقومون من النوم وقد استفادوا حكماً ربانية وعلوماً إلهية حصَّلوها وهم في المنام فهم في اليقظة يقضون الأنفاس في طاعة الله وإذا ناموا ساحت قلوبهم وأرواحهم في رضاه لأنهم لم يشغلوا الوقت إلا بما يحبه الله ويرضاه.
المرتبة الرابعة: صيام المقربين
قلنا أن صوم العارفين هو شغل الأنفاس بطاعة الله أما المقربين فشغل أنفاسهم بالحضور مع الله جل في علاه فهناك فرق بين من يشغل النَفَس في طاعة الله وبين من يشغل النَفَس في حالة الحضور مع حضرة الله فهو في مقام المكاشفة التي يجعله فيها الله سر قوله {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } وفيهم يقول أحد الصالحين :
والعارف الفرد محبوب لخالقه
فات المقامات تحقيقاً وتيقيناً
في كل نَفَسٍ له نور يواجهه
من حضرة الحق ترويحاً وتيقيناً
في كل نَفَس له نور وله مواجهات وله مشاهدات وله مؤانسات في عالم الأنوار لأن صيامه ألا يضيع نَفَس منه إلا في مواصلة حبيبه وهؤلاء يقول قائلهم:
وإن خطرت لي في سواك إرادة
علي خاطري نَفَسَاً قضيت بردتي
والردة هنا أي الرجوع إلي الخلف في مقامات السلوك لأن كل أوقاته في حضور مع المذكور شُغِلوا بالمعروف عن المعرفة وشُغِلوا بالمعلوم عن العلم وشُغلوا بالله عما سواه فلا أُنس لهم ولا حضور لهم ولا همَّ لهم إلا بمواجهة الله جل في علاه {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
الموضوعالأصلي : خمسة مراتب للصائمين فنظر اين انت // المصدر :