الضبط الإداري
مقدمة:
قد تتفق معظم دساتير العالم على ضرورة كفالة حريات الأفراد و اعتبارها، شيئا (حرية التنقل، حرية الاجتماع ...)، ولكن إذا ما ترك الأفراد و شأنهم عند ممارستهم لمثل هذه الحريات قد يتحول المجتمع إلى فوضى و تسلط، وهذا ما يؤدي إلى تهديد سلامة الأفراد.
ومن هنا كان لابد من إقامة نوع من التوازن حق الأفراد في ممارسة حرياتهم، وحق المجتمع في المحافظة على أمنه و سلامته، ومن أجل هذه الغاية (التوازن) برزت فكرة الضبط الإداري كأحد أهم واجبات الدولة لتنظيم الفردية و تحقيق المصلحة العامة، وعليه فما مفهوم الضبط الإداري؟ و من هي السلطات الإدارية المكلفة به؟ و ما هي حدود سلطة الضبط الإداري؟
وللإجابة على هذه الأسئلة ارتأينا إتباع خطة مكونة من ثلاث مباحث :الأول مخصص لماهية الضبط الإداري، و المبحث الثاني مخصص للهيئات المكلفة بالضبط الإداري و الثالث مخصص لحدود سلطة الضبط الإداري .
المبحث الأول: ماهية الضبط الإداري
يقول الأستاذ ماجد راغب الحلو :"يعتبر الضبط الإداري أو البوليس الإداري وظيفة من أهم وظائف الإدار1ة" .
المطلب الأول: مفهوم الضبط الإداري
في هذا المطلب سنتطرق لتعريف الضبط الإداري و إلى خصائصه وإلى أنواعه .
الفرع الأول:تعريف الضبط الإداري
لقد تعددت التعاريف الفقهية الممنوحة للضبط الإداري، فقد عرفه أ.عمار عوابدي بأنه:"كل الأعمال و الإجراءات و الأساليب القانونية و المادية و الفنية التي تقوم بها سلطات الضبط الإداري المختصة و ذلك بهدف ضمان المحافظة على النظام العام بطريقة وقائية في نطاق النظام القانوني للحقوق و الحريات السائدة في الدو2لة" .
الفرع الثاني: خصائص الضبط الإداري
يتميز الضبط الإداري بثلاث خصائص وهي: 1)الصفة الانفرادية: إن الضبط الإداري إجراء تباشره السلطة الإدارية بمفردها .
2)الصفة الوقائية: يتميز الضبط الإداري بالطابع الوقائي فهو يدرأ المخاطر عن الأفراد.
3)ذو صفة سيادية: إن فكرة الضبط الإداري حسب البعض تعتبر أقوى و أوضح مظاهر فكرة السيادة و السلطة العامة في مجال الوظيفة الإدار3ية .
الفرع الثالث: أنواع الضبط الإداري
للضبط الإداري نوعين : ضبط إداري عام و خاص .
الضبط الإداري العام:
و يقصد به النظام القانوني العام للضبط الإداري أي مجموع السلطات الممنوحة لهيئات الضبط الإداري العام من أجل المحافظة على النظام العام بمختلف محاو4ره .
الضبط الإداري الخاص:
ويقصد به السلطات التي منحها القانون للإدارة بقصد تقييد نشاطات و حريات الأفراد في مجال محدد و معين، و قد يتعلق الضبط الإداري الخاص بنشاط معين مثل:الضبط في مجال المرور أو يتعلق بفئة معينة من الأشخاص (المرسوم 84-162 المتعلق بممارسة الأجانب للصيد). أو يتعلق بمكان معين (المرسوم 85-13 المتعلق بشروط استعمال الشواطئ)، أو يتعلق بحالات معينة (المباني الآيلة بالسقو5ط) .
المطلب الثاني:أهداف الضبط الإداري
لقد أجمع الفقه على أن أهداف الضبط الإداري تنحصر في المحافظة على النظام العام6
بعناصره الثلاثة : الأمن العام، الصحة العامة و السكينة العامة 7، والتي سنتطرق لها عن طريق الثلاث فروع الآتية:
الفرع الأول: الأمن العام
استتباب الأمن و النظام في المدن و القرى و الأحياء بما يحقق الاطمئنان لدى الجمهور على أنفسهم و ممتلكاتهم من كل خطر.
الفرع الثاني: الصحة العامة
يقع على عاتق السلطة العامة اتخاذ الإجراءات اللازمة بغرض وقاية صحة الأفراد. الفرع الثالث: السكينة العامة
من حق الأفراد في كل مجتمع أن ينعموا بالهدوء و السكينة في الطرق و الأماكن العمومية و أن لا يكونوا عرضة للفوضى و الضوضاء و هذا ما نص عليه المرسوم رقم 93-184 المنظم لإثارة الضجي8ج .
المبحث الثاني:هيئات الضبط الإداري و وسائله
في هذا المبحث سنتطرق إلى هيئات و سلطات الضبط الإداري العام و الخاص من خلال المطلب الأول و الثاني ، و في المطلب الثالث سنعالج أهم وسائل الضبط الإداري.
المطلب الأول :سلطات الضبط الإداري العام وهنا نميز بين السلطات على المستوى المركزي (الفرع الأول) و على المستوى المحلي(الفرع الثاني).
الفرع الأول:على المستوى المركزي
أولا: رئيس الجمهورية :
يملك رئيس الجمهورية بموجب مسؤوليته في المحافظة على النظام على المستوى الوطني، يملك سلطة إصدار مراسيم و لوائح الضبط الإداري، و اتخاذ حملة من الإجراءات كإعلان حالة الطوارئ و الحصا9ر .
ثانيا: الوزير الأول:
لم تشر القواعد الدستورية صراحة إلى سلطات الوزير الأول في مجال الضبط الإداري، إلا أن للوزير الأول سلطة مباشرة الضبط الإداري بناءا على السلطة التنظيمية المقررة له في الدستور وكذلك بناءا على المرسوم الرئاسي رقم 92-44 الخاص بحالة الطوارئ، لا سيما المادة الثالثة منه.
ثالثا: الوزراء
الأصل أنه ليس للوزراء حق ممارسة مهام الضبط الإداري العام لأنها صلاحيات معقودة لرئيس الجمهورية و الوزير الأول، غير أن القانون قد يجيز لبعض الوزراء ممارسة بعض أنواع الضبط بحكم مركزهم و طبيعة القطاع الذين يشرفون عليه، فمثلا وزير الداخلية أكثر الوزراء احتكاكا و ممارسة لإجراءات الضبط الإداري على المستوى الوطني، سواء في الحالات العادية أو الاستثنائية ( أحكام المرسوم التنفيذي رقم 91-01 والمتضمن تحديد صلاحيات وزير الداخلية، وتحديدا المادة 8 منه).
الفرع الثاني:على المستوى المحلي
أولا:الوالي
يتمتع الوالي بصلاحيات باعتباره ممثلا للدولة على مستوى إقليم الولاية فهو يسهر على تنفيذ تعليمات و قرارات الوزراء، بالإضافة إلى صلاحياته باعتباره ممثلا للولاية، وفي مجال الضبط الإداري فهو يسهر على المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة، وهذا ما نصت عليه المادة 114 من قانون الولاية رقم 12/07(المؤرخ في 21 فبراير 2012):"الوالي مسؤول على المحافظة على النظام العام و الأمن والسلامة و السكينة العمومية".
ثانيا: رئيس المجلس الشعبي البلدي
يضطلع رئيس المجلس الشعبي البلدي بمسؤولية المحافظة على النظام العام بكفة عناصره باعتباره ممثلا للبلدية و هذا ما جاء في المواد:88،89،94 من قانون البلدية رقم 11-10(المؤرخ في22 يونيو 2011).
المطلب الثاني:سلطات الضبط الإداري الخاص
القانون يجيز للوزراء ممارسة الضبط الإداري الخاص، بحكم مركزهم و طبيعة القطاع الذي يشرفون عليه، فسلطات الضبط الإداري الخاص تختص بحفظ النظام العام بطريقة وقائية في عنصر فقط أو موضوع محدود على سبيل الحصر.
المطلب الثالث:وسائل الضبط الإداري
للضبط الإداري ثلاث وسائل وهي كمايلي: وسائل مادية(الفرع الأول)، وسائل بشرية(الفرع الثاني) و وسائل قانونية(الفرع الثالث).
الفرع الأول: وسائل مادية
هي الإمكانيات المادية المتاحة للإدارة قصد ممارسة مهام الضبط الإداري كالسيارات و الشاحنات .
الفرع الثاني:وسائل بشرية
أعوان الضبط المكلفين بتنفيذ القوانين و التنظيمات كرجال الدرك و الشرطة.
الفرع الثالث:وسائل قانونية
1/إصدار قرارات و لوائح الضبط: قرارات تنظيمية تصدر عن الإدارة في شكل مراسيم أو قرارات يكون موضوعها ضبط ممارسة الحريات العامة.
2/الحظر أو المنح: هو أعلى أشكال المساس بالحريات العامة، يتم اتخاذها من جانب الإدارة بهدف المحافظة على النظام العام.
3/الترخيص: قد تشترط الإدارة وطبقا لنصوص قانونية أو تنظيمية على الأفراد ترخيصا معينا إن أرادوا ممارسة حرية معينة أو القيام بعمل معين، فمثلا المنشآت المصنفة تخضع للترخيص حسب أهميتها و درجة الخطر أو الضرر (قد يصدر من الوزير أو الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي)، ويسبق الترخيص تحقيق تباشره جهات معي10نة .
4/استخدام القوة: الأصل هو امتثال الأفراد لقرارات الإدارة و خضوعهم إليها، غير أنه و في حالات معينة يجوز استعمال القوة لمنع نشاط معين لم يخضع للقوانين و التنظيمات . المبحث الثالث: حدود سلطة الضبط الإداري
لما كان الأصل هو التمتع بالحرية و الاستثناء هو القيد وجب أن تخضع هده القيود إلى ضوابط و حدود لمنع التعسف في استعمالها ، و في هدا السياق نص الدستور الجزائري على ضمان الحريات في نص المادة 35 منه على أن : " يعاقب القانون كل المخالفات المرتكبة ضد الحقوق و الحريات ، و على كل ما يمس سلامة الإنسان البدنية و المعنوية "، و يقضي الأمر الحديث عن حدود سلطة الضبط الإداري، وهنا نميز بين حدود سلطة الضبط الإداري في الظروف العادية (المطلب الأول )و الاستثنائية(المطلب الثاني).
المطلب الأول: حدود سلطة الضبط الإداري في الحالات العادية
في هذا المطلب سنتحدث عن خضوع إجراءات الضبط الإداري لمبدأ المشروعية (الفرع الأول) و عن خضوع إجراءات الضبط الإداري للرقابة القضائية(الفرع الثاني). الفرع الأول: خضوع إجراءات الضبط الإداري لمبدأ المشروعية
على السلطات الإدارية المختصة أن تحترم قواعد و مبادئ المشروعية الشكلية و الموضوعية في كل ما تصدره من أعمال و إجراءات ضبطية إدارية و إلا وقعت أعمالها باطلة و هذا التقييد يحمي سلطات و هيئات الضبط الإداري من الانحراف و التسرع، ويحمي حقوق و حريات الأفراد من كل مظاهر الانحراف و التعسف و الاستبداد.
الفرع الثاني:خضوع إجراءات الضبط الإداري للرقابة القضائية
عندما يثبت القضاء أن الإدارة تجاوزت الحدود وأن مقتضيات النظام العام متوفرة في القضية المعروضة أمامها جاز له إلغاء كل قرار في المجال و إذا اقتضى الأمر تعويض الطرف المتضرر وهذا ما ذكرته المادة 5 من المرسوم رقم 88-131 11 ،و التي قضت أنه يترتب على كل تعسف في ممارسة السلطة تعويض وفق التشريع المعمول به.
المطلب الثاني:حدود سلطة الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية
قد يكون المجتمع عرضة لظروف استثنائية مثل الحرب و الكوارث الطبيعية وغيرها، مما يفرض الاعتراف لجهة الإدارة سلطات أوسع للتحكم في الوضع الاستثنائي، إلا أن الإشكالية التي أثيرت : هل يبقى تقيد السلطة بقانون خاص يحكم نشاطها في الحالات الاستثنائية و تطبيق النصوص الخاصة، و تقتضي الطريقة الثانية أن تلجأ السلطة التنفيذية للبرلمان لاستصدار قانون خاص يحكم نشاط الإدارة في الظروف الاستثنائية، إلا أن الظروف الاستثنائية تحل بصورة مفاجئة مما قد يعيق نشاط السلطة التنفيذية ويغل يدها في مواجهة الوض12ع .
الخاتمة
بالرغم من القيود التي يفرضها الضبط الإداري على حريات الأفراد، إلا أن هدفه الأساسي هو الحفاظ على النظام العام بعناصره التقليدية و الحديثة، وهذا كله من أجل ضمان أمن و سلامة الأفراد وتحقيق الاستقرار للدولة.
1-ماجد راغب الحلو، القانون الإداري، دار الجامعة الحديثة، الإسكندرية، 2006، ص.395.
2--عمار عوابدي، القانون الإداري، ج2، النشاط الإداري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2006، ص.10.
3- معيفي كمال، آليات الضبط الإداري لحماية البيئة في التشريع الجزائري، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة العقيد الحاج لخضر، باتنة، 2011، ص.47.
4-عمار بوضياف، شرح قانون البلذية، ط1، جسور للنشر و التوزيع، الجزائر، 2012، ص.260.
5-أ.عمراني، محاضرات "الضبط الإداري"،
6- يعرف الأستاذ "هوريو" النظام العام :" حالة واقعية عكس الفوضى.....".
7- يرى أ.محمد الصغير باعلي أن أهداف الضبط الإداري لم تعد تقتصر على المفهوم التقليدي للنظام العام، بل أصبحت تتجه أيضا لحماية الأخلاق و الآداب العامة و ضمان قدر معين من الجمال و ذلك مراعاة لطبيعة النظام القائم في الدولة و مشروع المجتمع السائد بها.
8- تطبيقا للمادة 121 من القانون رقم 83-03، المتعلق بحماية البيئة.
9 -المادة 91 من دستور1996، المعدل بموجب القانون08/19.
10 -القانون رقم 03-10، المؤرخ في 20 جويلية 2003، المتعلق بحماية البيئة.
11 -المرسوم رقم 88-131، المؤرخ في 4 يوليو 1988، المنظم للعلاقات بين الإدارة و المواطن، ج.ر.عدد27.
12 -عمار بوضياف، المرجع السابق، ص.279.
الموضوعالأصلي : الضبط الاداري // المصدر :