الحمد لله الّذي شرع لعباده حجّ بيته الحرام . وجعل ذلك أحد أركان الإسلام . وأشهد أن لا إله إلا الّله . وحده لا شريك له. هو الله الّذي لاإله إلا هو الملك القدّوس السّلام . وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله . صلّ الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام . وبعد:
في هذه الأيّام المباركة يستعدّ المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لحجّ بيت الله الحرام . منهم المتنفّل بحجّه . ومنهم من يؤدّي به فريضة الإسلام . ولا شكّ أنّ ذلك يحتاج إلى استعداد بما يلزم له ماليّا وبدنيّا ونيّة وقصدا ... فيحتاج إلى استعداد بالنفقة الكافية الّتي يستغني بها عن النّاس . قال تعالى : (وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التقوى) البقرة 197 .
فأمر الله سبحانه وتعالى بالتّزوّد . وهو أخذ الزّاد الكافي لسفره ذهابا وإيابا . وتوفير المركوب المناسب الذي يحمل في سفره ويبلّغه إلى بيت الله الحرام . ثمّ يردّه إلى وطنه . قال تعالى : (ولله على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران 97 .
ومع هذا الاستعداد لا بدّ للحاجّ أن يلتفت إلى الاستعداد الآخر . وهو أن يسدّ الدّيون التي عليه قبل أن يتوجّه إلى الحجّ . أو يوفّر لها ما يسدّدها . فإن لم يكن لديه من المال ما يكفي لنفقة الحجّ وسداد الدّين . فإنّه يقدّم سداد الدّين . ولا يجوز له أن يحجّ في هذه الحالة .
كما أنّ على الحاجّ أن يحجّ وأن ينفق على نفسه من الكسب الحلال . ليكون حجّه مبرورا وذنبه مغفورا . فإنّ الله طيّب لا يقبل إلا طيّبا . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم : إذا خرج الحاجّ حاجّا بنفقة طيّبة , ووضع رجله في الغرز , فنادى : لبّيك اللهمّ لبّيك . ناداه مناد من السّماء : لبّيك وسعديك . زادك حلال . وراحلتك حلال . وحجّك مبرور غير موزور .
وإذا خرج بالنّفقة الخبيثة . فوضع رجله بالغرز فنادى لبّيك .ناداه مناد من السماء : لا لبّيك ولا سعديك . زادك حرام . ونفقتك حرام . وحجّك موزور غير مبرور . رواه الطّبرانيّ .
ويجب على من يريد الحجّ أيضا أن يتوب إلى الله تعالى من سائر الذنوب . وإذا كان عنده مظالم للنّاس . فعليه أن يردّها إلى أصحابها . ويطلب مسامحتهم . ليستقبل حجّه بالتوبة والتخلص من المظالم .
وعلى الحاجّ قبل أن يسافر للحجّ أن يكتب ما له وما عليه من الدّيون . وما عنده من الودائع والأمانات . من أجل أنه لو قدّر أن يجري عليه شيء في سفره من موت أو عائق يمنعه من الرجوع إلى وطنه فإنّه يكون قد وثق هذه الحقوق وبيّنها . فيضمن بذلك وصولها إلى أهلها , وتبرأ ذمّته منها .
كما وعليه أيضا أن يتجنّب الذّنوب والمعاصي . وأن يحافظ على أداء الصلوات وسائر الواجبات . وهذا أمر يتوجب عليه في كلّ حياته وفي جميع حالاته . لكنّ الحاجّ يتأكّد في حقّه ذلك . لأنّه في عبادة عظيمة . فلا ينبغي أن يدخل فيها وهو متلبّس بالذنوب والمعاصي أثناء الحجّ . قال تعالى : (الحجّ أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ) البقرة 197 . وثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم أنّه قال : من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
وعلى من وفّقه الله لأداء فريضة الحجّ أن يستمرّ على طاعة الله تعالى . ويتجنّب المعاصي في بقيّة حياته ومستقبل أيّامه . فإنّ الأعمال بالخواتيم . وباب التّوبة مفتوح ما لم يحضر الأجل . والأجل منتظر حضوره في كلّ لحظة . ولا يدري أحد متى تحين وفاته . (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأيّ أرض تموت) لقمان 34 .
فاتّقوا الله عباد الله . وحافظوا على الصلوات وسائر الطّاعات إلى الممات إمتثالا لأمر الله تعالى (واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين) .
الموضوعالأصلي : في الاستعداد للحجّ للشيخ نزيه أبو قيس // المصدر :