اللآلئ الحسان الخلاف لا يعني الاختلاف :
سنجد خلافات وأقوالا في بعض المسائل وكذلك في بعض الرؤى و النظرات فلابد حينها
أن نفهم أنّ خلافنا مع أحد كائنا من كان لا يعني أنه عدو لنا ونحن أعداء له بل من المحتم علينا أن نحترم بعضنا ونقدر إخواننا ولعل لهم عذر ووجه في هذا الخلاف .. خصوصا فيما يسوغ فيه الخلاف ويكون خلافا معتبرا ..ومن المهم أيضًا أن نفهم ويفهمون هم كذلك أنه من الخطأ إجبار الآخرين وإكراههم على ما نحن عليه أو يمارسون هم أسلوب الإجبار والإكراه معنا لأن هذا دلالة ضعف وخور أكثر من كونه دلالة قوة وسلطان وهذا هو ذات الأسلوب الذي استخدمه فرعون مع قومه ? ما أريكم إلا ما أرى ? ..
فلنتعلم أثناء حوارنا مع الآخرين ونقاشاتنا معهم طرائق التأدب والاحترام وكذلك نبين لهم أن نقاشنا لبعضنا ليس تخطئة وتجريمًا بل هو سعي في طلب الحق فلنحترم بعضنا ولنقدّر ذواتنا ولنتفادى السب والشتائم والانتقاص والتسفيه لأنها لا تأت بخير ..
من المهم أن نعود أنفسنا على ثبات الشخصية وعدم التذبذب لأن ذلك مؤثر في قبول الناس لما نحن عليه ولما ندعو له .. فلا يصلح أن نكون كل يوم برأي .. بل بعضهم كلامه في الليل يختلف عن كلامه في الصباح ..
ونخرج من هذه النقطة بالتالي //
أ ) رفض طريقة الإجبار والإكراه لأننا ننشد الحق لا ننشد نصرة كلامنا وآرائنا .
ب ) خلافنا مع أي شخص لا يعني أنه انضم لدائرة الأعداء والمناوئين .
ج ) فهم الرأي واستيعابه (التأصيل)قبل القناعة به و تثبيته مهم جدًا لأن ذلك مؤثر في ثبات
الشخصية.
د ) الاحترام والتقدير لمن نناقش ونحاور ولو سبّ وشتم (عامل الناس بأخلاقك لا بأخلاقهم ).
لا تلتفت إلى الوراء لأنك ربما تقف :
هذه القاعدة كتبتها لك أيها الهمام لتتأملها جيدًا لأننا نرى اليوم من تراجع ونكص على عقبيه بسبب التفاته المتكرر إلى الوراء ونظره إلى ماضيه على أنه قيد في يديه وقدميه لا يستطيع معه الانطلاق فكلما انبعثت همته وتاقت نفسه إذا بتاريخه أسودًا كان لونه أو رماديًا يَمثـُل أمامه كعقبة كؤود وحاجز يتمنع عليه تخطيه .. ولا يعني هذا ألا ينظر المرء إلى الوراء محاسبة لنفسه ومتابعة لسيره وتقويما لخطواته بل هذا مطلوب .. ولكن الذي أحذرك منه أشد التحذير النظر إلى الوراء ( الماضي ) على أنه حجر عثرة يقف في طريقك إلى ربك ويعرقل سيرك إلى خالقك .. وأيضا لا تلتفت لمن يذكرك بماض ولـّى وانقضى وبأخطاء تجاوزتها وتخطيتها وكأنه بهذا يدعوك للعودة ويناديك للرجعة إلى سابق عهدك الذي كنت فيه بعيدا عن ربك مجانبًا طريق الصواب وتأمل معي كيف حكى لنا القرآن مثل هذا ..
يقول الدكتور مجدي الهلالي حفظه الله : (( وقديمًا حاول فرعون تذكير موسى عليه السلام بماضيه والعمل على ربطه به وتقييمه من خلال صورته القديمة عنده ? قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين * وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ? فلم ينف موسى عليه السلام التهمة عن نفسه بل نبه فرعون إلى التغيير الذي حدث له ووضعه الجديد الذي أكرمه الله به ? قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين * ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكمًا وجعلني من المرسلين ? )) .. اهـ
فتخلق يا أخي بخلق الأنبياء ولا تستجب لكل نداءات المثبطين المغرضين الذين لا يحبون أن يروا فلانـًا - الذي خبروه وعرفوه - خيرًا منهم فتراهم يسعون في هدم قناته وصدع بنيانه ولن يقف أمام موجهم الهادر إلا صخرة كالجبل تتكسر عليها أمواجهم ويعودوا بخفيّ حنين بائسين خاسرين فتمضي أنت إلى ربك منتصرا على كل شيء صانعا من ماضيك سلمًا تصعد به إلى مولاك وتعجل إليه ? وعجلت إليك رب لترضى ? ..
ثم كن على يقين أن الالتفاتة الواحدة إلى الوراء تؤخرك عن كثير من التقدم إلى الأمام .. فخير لك أن تنطلق لأن الفترة التي ستعيشها قصيرة والزمن محدود والوقت كما قيل ( سريع التقضي أبيّ التأتي ) ..
ثم هل بلغك أن الغزال أسرع من الفهد ؟؟
ولكن الفهد يستطيع افتراس الغزال إذا أكثر الغزال من الالتفات !!
و نخرج من هذه اللؤلؤة بالتالي :
1) لا تلتفت إلى كل ما يذكرك بماض غير جيد لأن ثمن ذلك باهض !!!
2) لا نقصد بعدم الالتفات إلى الماضي : محاسبة النفس على التقصير وتقويم العمل وإنما
نقصد الالتفاتة التي ترجع بنا إلى الوراء .
3) شعارنا : ? وعجلت إليك رب لترضى ? .
الخطأ لا يعني النهاية
في البداية ماذا نعني بالخطأ ؟
إن هذا الخطأ قد يكون معصية أو ذنبًا أو سلوكا غير سوي ..
هذه وغيرها هي الأخطاء ..
وقد يبلغ الواحد منا مبلغا كبيرا من الاستقامة والعلم والبناء والتزكية والتأثير الإيجابي في الآخرين وعدم الالتفات إلى ماضيه غير الجيد والمشورة والاهتمام بأعمال القلوب وهذا فضل من الله ونعمة ..
ولكنه قطعًا لن يصل إلى مرحلة يصبح فيها بلا خطأ صغيرا كان أو كبيرا ..
نعم حتى الأخطاء الكبيرة محتملة .. تأملها في كتاب الله لمّا بيّن الله صفات المتقين ذكر من صفاتهم أنهم قد يقعون في فاحشة ..
يا الله متقي ويفعل فاحشة !!!
نعم قد تقع منه ولكن له ما يميزه عن غيره من أولئك الذين يقعون في الفواحش ..
تدبرها وأنخ المطايا تحت ظلالها قال الله العلي القدير ?والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ... ? الآية .. نعم هذه ميزتهم أنهم سريعو الفيئة والعودة من أخطائهم لا يتمادون فيها بل يتعلمون منها ويأخذون منها درسًا قد يكون قاسيًا أحيانا ..
إن الإنسان إذا تسلل إلى عقله وتبادر إلى مخيلته أنه إذا سار على طريق الله وسلك سبيل المؤمنين لن يخطئ أبدًا بل سيصبح معصومًا فإنما أصيبت مقاتله .. ألم يتربى في روضة الحبيب عليه الصلاة والسلام الذي وضع لنا قاعدة أصيلة في هذا الباب (( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )) ؟
يا ثمرة الفؤاد : إنك حينما تخطئ ثم تتراجع عن خطئك تتجاوز الخطأ الذي صدر منك إلى الصواب فتصبح بهذا الخطأ قد توصلت إلى صواب فلعل الله عز وجل أن يتجاوز عن خطئك ويقلبه حسنة .. ها هي ماثلة في كتاب الله ?فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ? .. إذا رسخ هذا المعنى عندك فلن تجد خواطر السوء التي داهمت كثيرا من شبابنا وأوحت إليهم بأن تمادوا في خطئكم لأنكم لن تعودوا كما كنتم أسوياء ولا يصح منكم أن تبقوا في محيطات الصلاح وأنتم بهذا الحال ..
فتنسلوا وابتعدوا فاستفرد بهم الشيطان وأعوانه وقضوا عليه وكما هو معلوم (( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )) ..
لن تجد أحدًا من الناس أيا كان مقامه يعدك بأنك لن تخطئ بعد اليوم ..
ولكن العاقل حقيقة هو الذي يعلمك طريقة التعلم من الأخطاء وتجاوزها إلى فعل الصواب واعتبار الخطأ وسيلة من وسائل الوصول إلى المراتب العالية ..
احذر أن تستلم لأخطائك مهما كان حجمها .. فلأن تلاقي الله مجاهدا لنفسك خير لك من أن تلقاه وقد استسلمت لشيطانك وقد وعد الله الذين يجاهدون أنفسهم ويصارعون شهواتهم بهدايته لهم ?والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ? وأما الآخرون فلا بواكي لهم ..
فالاستسلام سهل يقدر عليه كل أحد ولكن المجاهدة والمصابرة والمدافعة لن يستطيعها إلا ذلكم الأسد الهصور الذي نشأ مجاهدًا نفسه وتربى على مصارعة هواه وتشربت روحه معاني التحدي والصمود في مقابل أخطائه التي ليست إلا محطة يستطيع أن يتخطاها إلى خير منها وقبل هذا كله عون الله وتوفيقه للعبد ..
إننا جميعًا اليوم بحاجة ماسة إلى نوع من الفقه بإمكاننا أن نسميه (( فقه الخطأ )) قد تستغرب من هذا ولكنها حقيقة .. إن فقهنا للخطأ يمنع عنا كثيرا من التراجعات عن الخير وكذلك التمادي في الخطأ بل ستجد أناسًا تعلموا من أخطائهم الكثير ..
و بدأوا يصلون إلى مرحلة عالية من اليقين بأن الخطأ ملازم للإنسان ما جرت فيه الأنفاس وسارت في عروقه الدماء ولذلك شرعوا في تصحيح المسار وتعديل السلوك وتوجيه الأفعال وتهذيب النفس ..
ونخرج من لؤلؤتنا :
1) الخطأ حقيقة موجودة لا مناص عن الوقوع فيها (( كل ابن آدم خطاء )) ولكن (( خير الخطائين التوابون )) .
2) حتمية الخطأ ليست مبررا للتمادي فيه ولكنها دعوة إلى التعامل الصحيح مع الأخطاء .
3) استمرار المجاهدة للأخطاء لا يقف عند حد معين بل كلما تكرر الخطأ كلما طالبنا أنفسنا من الرجوع عنه وهكذا ?والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ? .
4) احذر ثم احذر ثم احذر أن تلاقي الله مستسلما لخطئك وشعارك في هذا (( لا مجال للاستسلام .. إلى دخول دار السلام )) .
5) علينا أن ندافع الأخطاء والسيئات بالصواب والعمل الصالح ألسنا نقرأ في كتاب ربنا تبارك وتعالى ?إن الحسنات يذهبن السيئات ?
الموضوعالأصلي : الخطأ لا يعنى النهاية // المصدر :