السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل محب له أمنية أن يكون قريباً من حبيبه
ومن لم تكن هذه أمنيته فليس صادقاً في حبه
ربنا سبحانه يعلم أن له عباداً يحبونه حباً شديداً
ويحبون أن يقتربوا منه فجعل لهم موعداً ينزل فيه إلى السماء الدنيا
نزولاً يليق بجلاله وعظيم سلطانه ليرحمهم وليجيب طلباتهم
فيكلمهم ويكلمونه ويدعونه ويحدث هذا في كل ليلة
قلت لليل هل فى جوفك سر ُّ *** عامرُ بالحـديـث والأسرارِ
قال لم ألقَ فى حياتى حديثـاً *** كحديث المحبيـن فى الأسحارِ
قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه: (أهل الليل في ليلهم أروح من أهل اللهو في لهوهم ولولا قيام الليل ما أحببت البقاء في الدنيا ، ولو عوض الله أهل الليل من ثواب أعمالهم ما يجدون من اللذة لكان ذلك أكثر من هذه الأعمال..)
وقال بعضهم: (ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم الآخرة إلا ما يجده أهل القيام في قلوبهم من حلاوة المناجاة) ... وقال محمد بن المنكدر رضي الله عنه: (ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل ولقاء الإخوان والصلاة في الجماعة)... وقال بعض الصالحين: (منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء إلا طلوع الفجر)... وقال بعضهم: (إن الله تعالى ينظر بالأسحار إلى قلوب المتيقظين فيملؤها نورا فترد الفوائد على قلوبهم ثم تنتشر منها إلى قلوب الغافلين..)
سبحان الله
لقد لخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشهد
الثلث الأخير من الليل في كلمات بسيطة عندما قال :
( ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر
فيقول : من يدعوني فاستجيب له
من يسألني فأعطيه
من يستغفرني فأغفر له )
رواه البخاري
ويستمر هذا الوضع يستمر حتى يطلع الفجر
أول سؤال عندنا هو كيف نعرف أن الثلث الأخير من الليل بدأ ؟؟
معرفة بداية هذا الثلث يختلف من مدينة إلى مدينة
وحتى في المدينة الواحدة يختلف من الصيف إلى الشتاء لماذا ؟؟
بسبب قصر الليل وطوله
فإذا أردتم اخوتي أن تعرفوا الثلث الأخير
من الليل ما عليكم الا القيام بعملية حسابية بسيطة جداً
أولاً : يجب معرفة وقت آذان المغرب
ووقت آذان الفجر في هذه المدينة
ثم بعد ذلك إحسب كم ساعة بين المغرب والفجر
فمثلاً لو كان الوقت بين آذان المغرب
وآذان الفجر ست ساعات فهذا يعني أن الليل بطوله ست ساعات
إذن كم سيكون الثلث الواحد من الليل ؟؟
أقسم الست ساعات على ثلاثة ..
إذن هذا يعني أن الثلث الأخير من الليل يبدأ قبل أذان الفجر
بساعتين ... وهكذا
وهذا الوقت هو أفضل وقت في الليل كله
فكم من تائب
ما غُفر ذنبه إلا في هذا الوقت
وكم من سائل تأخرت إجابة
دعائه فلما دعا في هذا الوقت انفرجت مصيبته
واستجاب الله الدعاء
وكم من مسلم يأس من أن تدمع عينه
من خشية الله فتفاجئ بدمعته تنزل بسرعة على خده في هذا الوقت
إنه وقت شريف عزيز فيه روحانية عجيبة
فإذا غارت النجوم
وهدأت الجفون
ونامت العيون
ولم يبقَ إلا الحي القيوم
فتوضأ
والبس أحسن ثيابك
واستقبل القبلة
وقل :
الله أكبروجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض
حنيفاً وما أنا من المشركين
إن لله تعالى عباداً يحبونه ويحبون لقاءه وينتظرون
هذا الثلث الأخير من الليل بفارغ الصبر في كل ليلة
ولا يزالون يجاهدون أنفسهم بالنوم والاستيقاظ
إلى أن يفوزوا مع من فاز بهذا الوقت الشريف
فهل سننضم إليهم أم لا ؟؟
والله لو كانت عندنا رحلة طائرة في هذا الوقت لما فاتتنا أبداً
بل أحياناً تعرض أفلام في الثلث الأخير من الليل
ينتظرها الناس ويصبرون عليها ولا يصبر الواحد منا
على إجابة نداء الله
والله لو اتصل بنا أحد في هذا الوقت
من الليل لاهتممنا بهذا الاتصال ولاهتممنا بالموضوع ..
ربنا أحب إلينا وأرجى لقلوبنا , و لهذا فمن اختبار الله لنا أنه قد جعل
الوقت الذي ينادي فيه العباد هو في هذا الوقت المتأخر ... لماذا ؟؟
ليهتم بذلك من كان صادقا ًفي رغبته لفضل الله ورحمته
فإذا قاوم الإنسان رغباته وقاوم ملذاته من النوم
أو الانترنت أو التلفاز أو غيرها من الأشياء
لو ترك كل هذا وتوجه إلى ربه وقام بين يديه فى هذا الوقت العزيز الشريف
فإن الله تعالى بالمقابل سيعطيه أكثر مما ترك
وسيفتح له من الرحمات ما لم يخطر له على بال .
قال النبي صلى الله عليه وسلم
( إن في الليل لساعةً لا يوافقها رجلٌ مسلم يسأل الله خيراً
من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلةٍ)
رواه مسلم
وبعض الناس يستغل هذا الوقت في الشكوى إلى الله تعالى ممن ظلمه
, هذا حق من حقوقه لا يستطيع أحد أن ينكرها عليه لقد كفل الله له هذا الحق
يروى أن أحد الوزراء قد اعتدى على أموال امرأة عجوز
فسلبها حقوقها وصادر أملاكها ذهبت إليه العجوز تبكي
وتشتكي من هذا الظلم فما أعطاها حقها فقالت :
لأدعونّ الله عليك فأخذ يضحك منها باستهزاء ,
ويقول لها : عليك بالثلث الأخير من الليل ,
يقول ذلك استهزاءً – و العياذ بالله –
أتهزأ بالدعـــاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعـاءُ
سهام الليل لا تخطي ولكن *** له أمدٌ وللأمد انقضـــاء
و فعلاً ذهبت العجوز وداومت على الدعاء في الثلث الأخير من الليل
فما هو إلا وقت قصير حتى عزل الوزير وسلبت أمواله
وأخذوا عقاره ثم جلدوه في السوق جلد تأديب له على أفعاله بالناس
فمن الذي مر عليه ؟؟
إنها العجوز ... مرت عليه العجوز وقالت له أحسنت
لقد وصفت لي الثلث الأخير من الليل فوجدته أحسن ما يكون
لا تظلمنَّ إذا مـا كنت مقتدراً *** إن الظلم تـرجع عقبه إلى الندم
تنـــام عينك والمظلوم منتبه *** يدعــو عليك وعين الله لم تنم
نعم الثلث الأخير من الليل خطر على الظَّلَمة ,
فلينتبهوا لأن من الناس من هم معتاد على أن يستيقض
في كل يوم قبل آذان الفجر بربع ساعة أو بنصف ساعة أو ساعة
فيكون هذا الرجل قد أدرك الثلث الأخير من الليل
ربما هنا في تلك اللحظة يتذكر ظالم قد ظلمه فيدعوا عليه
, هذه مصيبة ... لذلك هؤلاء أهل الثلث الأخير من الليل ابتعد عنهم
, ابتعد عنهم لا تؤذهم لأنهم يملكون سلاحاً لا يستهان به
سُئِل الإمام على بن أي طالب رضي الله عنه :
كم بين الأرض والعرش - عرش الرحمن - ؟
فما أجاب بالأميال وإلا الكيلومترات تدرون ماذا قال ؟
قال : ( بيننا وبين العرش دعوة مظلوم)
إي والله فكيف إذا كانت هذه الدعوة في آخر الليل أيضاً
ومن كان يداوم على الثلث الأخير من الليل ويذوق حلاوته
فإنه لن يستطيع أن يستغني عنه
الليل له وقت فاضل عزيز وهو الثلث الأخير من الليل
وقليل من العباد يعيش فيه , والأغلبية ينام في هذا الوقت
فكن أنت أخي وكني أنت أختي من النادرين , فإنك لا تدري والله في أي ليلة من الليالي
سيكتب ربك لك الجنة
أسأل الله أن يجعلها هذه الليلة عاجلاً غير آجل
اللهم آمين
والحمد لله ربّ العالمين
الموضوعالأصلي : قلت لليل هل فى جوفك سر ُّ *** عامرُ بالحـديـث والأسرارِ... // المصدر :